وذلك أن المعبود أقل درجاته أن يقدر على إيجاد ما ينفع عابده وإعدام ما يضره، والآلهة التي يعبدها المشركون من دون الله لن يقدروا خلق الذباب، ولو اجتمعوا كلهم لخلقه، فكيف بما هو أكبر منه، بل لا يقدرون على الانتصار من الذباب إذا سلبهم شيئا مما عليهم من طيب ونحوه، فيستنفذوه منه، فلاهم قادرون على خلق الذباب الذي هو من أضعف الحيوانات، ولا على الانتصار منه، واسترجاع ما سلبهم إياه.
|
صورة لرأس ذبابة منزلية تظهر العينين الكبيرتين والفم فتبارك الله أحسن الخالقين |
فلا أعجز من هذه الآلهه، ولا أضعف منها، فكيف يستحسن عاقل عبادتها من دون الله.
وهذا المثل من أبلغ ما أنزله الله سبحانه وتعالى في بطلان الشرك، وتجهيل أهله، وتقبيح عقولهم، والشهادة على أن الشيطان قد تلاعب بهم أعظم من تلاعب الصبيان بالكرة، حيث أعطوا الآلهة التي من بعض لوازمها القدرة على جميع المقدورات، والإحاطة بجميع المعلومات، والغنى عن جميع المخلوقات، وأن يصمد الرب في جميع الحاجات، وتفريج الكريات، وإغاثة اللهفان، وإجابة الدعوات، فأعطوها لصور وتماثيل يمتنع عليها القدرة على أقل مخلوقات الإله الحق، وأذلها وأصغرها وأحقرها. ولو اجتمعوا لذلك وتعاونوا عليه.
وأدل من ذلك على عجزهم وانتفاء آلهتهم، أن هذا الخلق الأقل الأذل والعاجز والضعيف لو اختطف منهم شيئاً واستلبه فاجتمعوا أن يستنقذوه منه لعجزوا عن ذلك ولم يقدروا عليه.
ثم سوى بين العابد والمعبود في الضعف والعجز بقوله ( ضعف الطالب والمطلوب ).
قيل: الطالب: العابد، والمطلوب: المعبود فهو عاجز متعلق بعاجز.
وقيل هي تسوية بين السالب والمسلوب منه وهو تسوية بين الإله والذباب في الضعف والعجز.
وعلى هذا فقيل: الطالب الإِله الباطل، والمطلوب الذباب يطلب منه ما استلبه منه.
وقيل: الطالب الذباب، والمطلوب الإله فالذباب يطلب منه ما يأخذه مما عليه.
والصحيح: أن اللفظ يتناول الجميع، فضعف العابد والمعبود والمستسلب.
فمن جعل هذا إلهاً مع القوي العزيز، فما قدر الله حق قدره، ولا عرفه حق معرفته ولا عظمه حق عظمته.
عندما شاهد أحد العقلاء أحد أنواع تلك الطائرات الدقيقة قال:
يا من يرى مد البعوض جناحه في ظلـمة الليل البهيم الأليل
ويرى منـاط عروقه في نحره والمخ من تلك العروق النحـل
ويرى خرير الدم في أوصاله متنقلاً من مفـصل في مفصل
ويرى ويسمع حس ما هو دونها في قـاع بحر مظلم متهـول
هذا الشاعر العربي المؤمن يرى بنور الله، بنور العلم والبصيره، أما العلمانيون الدنيويون فيرون في ذكر هذه الحشرات في السنة النبوية المطهرة والقرآن الكريم فتنه ومجالا للارجاف والتشكيك في قدرة الله وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وقد شاء الله أن يتحدى عقول العلمانيين والمرجفين خاصة في الديار الإسلامية بالذباب، ويختبر عقولهم وعلمهم ونفسيتهم، فأورد رسول الله صلى الله عليه وسلم الحديث النبوي الصحيح الذي رواه البخاري عن الداء في جناح الذبابة والدواء في الجناح الآخر وهنا انقسم الناس إلى فرق منها:
العَلماني المتربص بدين الله وجدها فرصته لضرب السنة والبخاري فحاول التشكيك في هذا الحديث، ولا يترك مناسبة إلا ويتحدث عنه بتشكيك وإرجاف عجيب.
وهناك من سلَم بالحديث بعد تأكده من صحته ووروده في أصح الكتب بعد القرآن الكريم عند أهل السنة والجماعة والذي تلقته الأمه بالقبول طوال الفترة السابقة.
وهناك من قام بالتحقق العلمي من صحة الحديث عملياً، وأثبت أن الذباب يحمل الداء كما قلنا سابقا, ويحمل الفيروس الملتقم للبكتيريا الممرضة على جسم الذبابة وأجنحتها.
ومع كل ذلك ستظل الذبابة من أعظم وأصغر الطائرات الجرثومية التي عرفتها البشرية.
وسيظل حديث الذبابة في البخاري يشهد على علمية هذا الدين وسبقه الحضاري والعلمي ولا يفهم هذا الأمر إلا من تخصص في مجال الكائنات الحية الدقيقة، وأجرى التجارب العلمية على البكتيريا والفيروس ملتقم البكتيريا (البكتيريوفاج )، وكا قال الله تعالى: ( إِنَّ اللَّهَ لَا يَسْتَحْيِي أَنْ يَضْرِبَ مَثَلًا مَا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا فَأَمَّا الَّذِينَ آَمَنُوا فَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ الْحَقُّ مِنْ رَبِّهِمْ وَأَمَّا الَّذِينَ كَفَرُوا فَيَقُولُونَ مَاذَا أَرَادَ اللَّهُ بِهَذَا مَثَلًا يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلَّا الْفَاسِقِينَ )البقرة26.
فالفاسقون: عندما يسمعون هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية لايرون ما فيها من قدره وعظمه ويرونها مخلوقات تافهة بعقولهم القاصرة فيضلوا عن سبيل الله.
والعالمون: عندما يسمعون هذه الآيات القرآنية والأحاديث النبوية يتدبرونها ويدرسونها فيرون ما فيها من قدرة وعظمة فيعلمون إنها مخلوقات عظيمه، فيهتدون إلى الصراط المستقيم.
فهي آيات للهداية للعالمين، وللضلال للفاسقين