إبراهيم الأزرق | 25/3/1429
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة] صدرت فتوى الشيخ عبدالرحمن بن ناصر البراك –وحسبك به- المتضمنة الحكم بردة اثنين من كتاب الصحافة.
وحيثيات الفتوى فيما يبدو تعرض الكاتبين للطعن في بعض أصول الدين التي هي من مقتضيات الشهادة للنبي صلى الله عليه وسلم بالرسالة، إذ لايستقيم إيمان من شك في ختم رسالته صلى الله عليه وسلم للرسالات من قبله، ونسخها لها، أو صحح معها إيمان من لم يؤمن به صلى الله عليه وسلم، ولهذا أجمع العلماء كما نقل القاضي "على كفر من لم يكفر أحداً من النصارى واليهود [تأمل الإجماع في من لم يكفر واحداً فقط]، وكل من فارق دين المسلمين، أو وقف في تكفيرهم، أو شك"(1)، فمن وقف في كفر غير المسلمين أو شك فهو كافر ليس بفتوى العلامة عبدالرحمن البراك وحده، بل بإجماع المسلمين، كما نقل القاضي عياض قبل نحو تسعمائة عام، فكيف بمن أصدر بياناً حاصله رفض حكم الله الذي أجمعت عليه الأمة والقاضي بتكفير من لم يكفر اليهود والنصارى؟ إن نجا هؤلاء فهم على خطر.
وقد جاء في فتاوى اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والإفتاء ما نصه: "من لا شبهة في كفره كاليهود والنصارى والشيوعيين وأشباههم، فهؤلاء لا شبهة في كفرهم ولا في كفر من لم يكفرهم، والله ولي التوفيق"(2)، وقولهم لا شبهة في كفرهم لأن كفرهم معلوم من الدين بالضرورة، وينبغي أن لا تقبل دعوى الجهل به ولاسيما في بلاد شاع فيها العلم.
ومع ذلك خرج بيان من نحو تسعين وصفوا بأنهم ناشطين والحق أن أغلبهم خاملين لا ذكر لهم ولا أثر في الساحة، وبعضهم ناشطين لكن نشاطهم من جنس نشاط التكفيريين بالإفساد في الأرض! والعمل الدؤوب على تحويل البلاد إلى مستعمرة غربية. وأياً من كانوا فالقارئ للبيان يجزم بأنهم ليسوا ممن استنار بأضواء الشريعة وعلم حدودها ومقاصدها، بل استنار كاتبوا البيان أثناء رقمه فيما يظهر بشمس مشرقة من جهة الغرب، ولهذا لم تتأت لأحدهم إجالة البصر -وقلبه حاضر- في فتوى الشيخ العلامة عبدالرحمن البراك حفظه الله، لينظر في الأدلة والحجج والبراهين التي أوردها فيناقشها، وربما أجال بعضهم الطرف فارتد وهو حسير، وأياً ما كان فما رأينا حتى الآن واحداً من هؤلاء تعرض لأدلة الشيخ أو ناقشها، وغاية ما يدندنون حوله مسألة التحريض على قتل المرتد، وهذا حكم تقره الدولة –وفقها الله وزادها عملاً بالشرع- ويقر به قضاتها الشرعيون، فلا معنى للف والدوران ولتطالبوا الدولة صراحاً بإلغاء الحدود كما أشرتم في بيانكم هذا إلى إلغاء حد الردة، مع أن قتل المرتد محل إجماع بين المسلمين، قال ابن قدامة في المغنى: "أجمع أهل العلم على وجوب قتل المرتد"(3)، فهل تعترضون على هذا الحكم المقرر وأمثاله؟ فما أتسعكم إذاً يوم تداعيتم لإنكار حكم من أحكام الشريعة.
والناظر في البيان يلحظ جملة انحرافات وتناقضات، رمت بادئ أمري تتبعها فإذا بي أمام جمهرة أخطاء حاشدة آثرت معها عدم الإطالة على القارئ، وآثرت ترداد قول الأول: يا ناطح الجبل العالي ليثلمه أشفق على الرأس لا تشفق على الجبل، مع الاكتفاء بسرد بضعة وعشرين غلطاً في صدر البيان، تعرف المنصفين بمحل هؤلاء من العلم والعقل، وإليكم منها على سبيل المثال لا الحصر ما يلي في ربع البيان الأول:
1: جعلوا العنوان مقرراً إنكار حكم شرعي ألا وهو التكفير، فقالوا: " لا للتكفير"، والله تعالى يقول: (هُوَ الَّذِي خَلَقَكُمْ فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ) [التغابن:2]، وقال: (كَيْفَ يَهْدِي اللَّهُ قَوْماً كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ) [آل عمران: 86]، وقال: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا بَعْدَ إِيمَانِهِمْ ثُمَّ ازْدَادُوا كُفْراً) [آل عمران:90]،وقال: (يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ) [آل عمران: 106]، وكما أن الحكم بالإيمان قد يجب فكذلك الحكم بالكفر قد يجب، على أن يصدر حكم التكفير من أهله العالمين، ومن مقدميهم اليوم الشيخ العلامة عبدالرحمن البراك حفظه الله.
2: ضمنوا العنوان تأييد حرية التعبير، فقالوا: "نعم لحرية التعبير"، مع أن حرية التعبير قد تقتضي قول الكفر، وأن الله ثالث ثلاثة، وقد تقتضي كذلك الطعن في الأنبياء وسبهم، كما يقوله حكام الدنمارك والسويد وهولندا وغيرهم من أمم الكفر، ومما يقتضيه قولهم: نعم لحرية التعبير بغير قيد تأييد الإزراء بولاة الأمر، والتشنيع عليهم كما يحدث في بعض دول الغرب باسم النقد، وقد سمعنا بعض هؤلاء في الغرب ينتقدون ولاة أمر المسلمين ويستطيلون عليهم ويعيشون بعد ذلك في سلام باسم حرية التعبير.
3: إن من مفارقات أدعياء حرية التعبير مطالبتهم بتكميم فم شيخ قارب الثمانين سئل عما يدين الله به من الحكم الشرعي فأجاب، فليت شعري لم تشرع أبواب حرية التعبير لإعلان الردة، وتغلق دون بيان أحكام الشريعة:
أحرام على بلابله الدوح *** حلال لدى الطير من كل جنس!
4: زعموا أن "الفكر لا ينمو إلاّ في جو من الحرية يتيح للمفكر أن يعبر عمّا يراه علناً"، وهذا من أدنى جهلهم، فمن الذي قال إن الفكر لا ينمو إلاّ في جو من الحرية يأذن بالتعبير، إن التعبير وسيلة لإعلان الفكر لا علاقة لها بنمو فكر الشخص أو ضموره داخله، بل قد يعبر وتضمر الفكرة، ويسكت ومع ذلك تقوى داخله، فالربط بين نمو الفكر وحرية التعبير محض جهل لا يمليه عقل.
5: ليس كل فكر ينبغي أن يؤذن له في النمو، ولا كل فكر يسوغ إعلانه، بل من الأفكار ما حري بها أن تضمر، وإن خرجت أن تكبت، ففكر الخوارج والتكفيريين مثلاً لا ينبغي له أن ينمو، وإن نمى فلا ينبغي أن يؤذن في إخراجه، وكذلك فكر اللا دنيين والمرتدين، ولست أدري! هل يفهم من هذا الكلام أن الموقعين يعتقدون أن من حق أهل التكفير والتفجير إعلانهم بما يعتقدون ما لم يقموا بعمل، وأن على الدولة أن تتركهم، وأن على العلماء السكوت عنهم، أم أنهم يقولون ما لا يعقلون ولا يعنون؟ وأياً ما كان فكبرت كلمة تخرج من أفواههم إن يقولون إلاّ كذباً.
6: زعمهم أن نمو الكفر عفواً الفكر –وقد كتبت الأولى سهواً ولم أر ما يدعو لشطبها!- لابد أن يكون في جو لا يخشى المفكر معه من العقاب على مجرد طرح الأفكار، وهذا الزعم كسابقه، فلا علاقة لنمو الفكر أو اختمار فكرة ما مع خشية إعلانها، فقد يخشى الإعلان والفكرة تنمو يوماً بعد يوم، وقد لا يخشاه وتضمر حيناً بعد حين، هذا من جهة ومن جهة أخرى لو قدر ارتباط نمو الفكر بخشية إعلان الفكرة، لما كان هذا بمجرده مسوغاً جوازَ إعلان كل فكرة، بل إن كان الفكر جديراً بالنمو فذاك، وإن كان كمثل شجرة خبيثة فحري بالمصلحين والعقلاء أن يسعوا لأن تجتث من جذورها، إن الأفكار بل حديث النفس وإن لم يعلن قد تكون له آثار مغبتها مردية، وإنما عُفِيَ لهذه الأمة خاصة ما حدثت به أنفسها ما لم تعمل أو تتكلم، كما قال صلى الله عليه وسلم(4)، فإن تكلمت، أو عملت ينظر فيما قيل أو عُمل، فإن كان القول المعبر عن الفكرة يستحق صاحبه العقوبة عوقب، كفكر من يفكر في هتك أعراض المسلمين ويجول خاطره في رميهم بالفواحش مثلاً، أو يفكر في التفجير ويرى مشروعيته في بلاد المسلمين، وأشد من هؤلاء الذين يعلنون فكراً حاصله الطعن في شهادة أن محمداً رسول الله.
7: قولهم: "إن الاعتراض على الأفكار لايتم إلا عبر طرح الأفكار التي تفندها"، وهذا باطل عند جميع العقلاء وإلاّ ما قامت حرب على وجه الكرة الأرضية، ولا حبس مجرم، ولا لجأ أحد إلى القوة في شيء، ولا احتجنا إلى المخافر وأجهزة الأمن والجيش وغيرها، وإنّ الله ليزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، ومنشأ هذه المغالطة جهل بعضهم أو تجاهلهم أن من الأفكار الآثمة الخاطئة ما لا يحتاج صاحبه إلى تعليم أو إقناع، إما لعدم جهله، أو لاستكباره أو لإعراضه أو لغير ذلك، ومن السذاجة أن يظن هؤلاء كلَّ فكرة باطلة إنما دفع صاحبها إليها الجهل ببطلانها، أو أن كل حق مردود رده الرادون لمجرد جهلهم به، حتى يجابه بمجرد البيان، فهذا إبليس لعنه الله رفض الانصياع لأمر الله بسبب فكرة عنت له عبر عنها فقال: (أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ)، وبرهان ذلك عنده: (خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ)، ومع ذلك قال الله تعالى: (فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ) [الحجر: 34-35]، وهو يوم القيامة خالد مخلد في النار، وأبو طالب في ضحضاح من النار يغلي منه دماغه مع أن ما معه مجرد أفكار فهو لم يعاد الإسلام، بل نصره وحمى رسوله عليه الصلاة والسلام، وكان يقول:
ولقد علمت بأن دين محمد *** من خير أديان البرية دينا