مفتي مصر: لا علاقة بين التصوف والتشيع
حوار - إسلام عبد العزيز فرحات / 03-03-2009
[ندعوك للتسجيل في المنتدى أو التعريف بنفسك لمعاينة هذه الصورة]مفتي مصرالدكتور علي جمعة
"السؤال عن علاقة بين التصوف والتشيع هو سؤال افتعالي، فالتصوف مجاله مرتبة الإحسان، والشيعة فكرة أقرب إلى السياسة منها إلى العقيدة".
هذه رؤية مفتي مصر فضيلة الشيخ الدكتور علي جمعة في حواره مع "إسلام أون لاين.نت" حول العلاقة بين التصوف والتشيع واعتبار الأول مدخلا للثاني. فضيلة المفتي تعجب من محاولات الادعاء بأن ثمة علاقة بين الاثنين لـ"مجرد وجود تشابه خارجي"، حسب تعبيره، مؤكدا: أن "هذه مجالات ودوائر وملفات مختلفة، وأنها نتاج الفكر الإسلامي عبر القرون".
وفند المفتي كل أوجه التشابه التي يستند إليها القائلون باعتبار التصوف مدخلا للتشيع، ومنها العصمة للولي عند المتصوفة وللإمام عند الشيعة؛ مفرقا بين العصمة التي تقتضي حجية التشريع، والعصمة التي تقتضي الحفظ عند الصوفية.
الحوار في مجمله يُمثل نقلة في معالجة ملف العلاقة بين التصوف والتشيع من خلال شخصية تجمع بين الفقه والمسحة الصوفية والمنصب الرسمي.
* بداية هل ترى نقاط التقاء يمكن التعويل عليها في الجمع بين السنة والشيعة؟
- الشيعة فرقة من فرق المسلمين الشائع أن مقابلها أهل السنة، فالشيعة تختلف عن أهل السنة في المصادر، وإن كان الكتاب واحدًا عند الطائفتين، إلا أن تلقي السنة مختلف، فالسنة تروي عن كل الصحابة الرواة؛ وكل الصحابة الرواة كما يقول ابن حزم "ألف وثمانمائة تقريبا"، أما الشيعة فهم يروون عن عدد معين من الصحابة لا يزيدون عنهم، ولا يروون عن الباقي.
وبالرغم من ذلك، هناك حقيقة تقول إن نتاج السنة الذي عند الشيعة يوافق أكثر من 80% من مرويات السنة؛ وهذا هو ما اكتشفه بعد ذلك يوسف الطفيش في أواخر القرن التاسع عشر في كتابه (جامع الشمل) الذي أورد فيه الأحاديث المتفق عليها بين الشيعة وأهل السنة.. إلخ.
وكذلك محمد الحسيني الجلالي في شيكاغو، والذي ألف كتاب (جامع الأحاديث) الذي جمع فيه الأحاديث المتفق عليها بين أهل السنة وأهل الشيعة؛ وإضافة إلى ذلك هناك كتب إيرانية تصب في التقريب بين المذاهب يبلغ عددها حوالي ألف واثنين وعشرين مجلدا في المرويات المشتركة بين أهل السنة وأهل الشيعة.
وعلى كل حال، فقد اعترف الأزهر بالفقه الشيعي الجعفري منذ عام 1949م، وبدأ تدريسه، والفضل يرجع في ذلك بعد الله إلى مجموعة من علماء الأزهر ومشايخه، وعلى رأسهم شيخ الأزهر حينذاك الشيخ محمود شلتوت، والدكتور محمد المدني عميد كلية الشريعة، ود. عبد الله المشد رئيس لجنة الفتوى، وعبد العزيز عيسى وزير شئون الأزهر، وأحمد البهجوري مدير جامعة الأزهر، وهكذا.
غير أن الفتوى التي أصدرها الشيخ شلتوت -رحمه الله- بجواز التعبد بالمذهب الجعفري بين أهل السنة تبين بوضوح أن السنة متقدمون عن الشيعة خطوات في مسيرة التقريب، وكذلك الشيخ محمد فرج السنهوري الذي أخذ المذاهب الثمانية في موسوعة الفقه الإسلامي التي تصدر عن المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، والتي أخذت المذاهب الثمانية، الأربعة السنية المعروفة، إضافة إلى الظاهرية، والجعفرية، والزيدية، والإباضية.
سؤال افتعالي!
* التصوف كحركة فكرية عملية، البعض يتحدث عن أنه مدخل أو بداية للتشيع بحكم أن الاثنين يجمعهما حب آل البيت؟
- التصوف هو مرتبة من مراتب الإحسان، وهو علم من علوم الدين قائم بذاته وله كتبه، فتجد مثلا الرسالة القشيرية، أو قوت القلوب، أو إحياء علوم الدين، أو غير ذلك الكثير من كتب الصوفية.
وبالنسبة لحب آل البيت فكل المسلمين يحبون آل البيت، وآل البيت تولوا الحكم في الأردن والمغرب، وتولوا الحكم عبر التاريخ وكانوا من أهل السنة، إذن فالجهر بحب آل البيت لا شيء فيه.
أما فكرة الشيعة فهي أقرب ما تكون إلى السياسة لا العقيدة، والقضية ليست في حب آل البيت من عدمه، فمَن من المسلمين لا يحب أهل البيت سواء كانوا سنة أم شيعة؟!
الغريب في المسألة أن الشيعة وموضوعها التشيع لآل البيت والتصوف وموضوعه مرتبة الإحسان هما أمران مختلفان تمامًا لا يمكن الجمع بينهما، فالشيعة لا يوجد فيها طرق صوفية بالمرة.
* لكن هناك طريقة اسمها البكتاشية وهي شيعية؟
- البكتاشية لا علاقة لها بالشيعة؛ لأنها تركية، والأتراك لا علاقة لهم بالشيعة لوجود حروب بينهم وبين الدولة الصفوية، فالبكتاشية تركية، والمولوية تركية، والأقبورية هندية نسبة إلى الأوشتية الهندية، وهكذا، فلا علاقة إطلاقا لهذه الطريقة على ما فيها من انتقادات بالشيعة.
فالسؤال نفسه سؤال افتعالي.. هل هناك علاقة بين التصوف والتشيع؟!! التصوف مجال موضوعه مرتبة الإحسان، فإذا كان الشيعة أو علماؤهم يأخذون من هذا المعين شيئا يرضونه في سلوكهم وفي علاقتهم بالله فهذا موجود في كل المذاهب الأخرى كذلك.
أهل السنة منهم من تصوف كالمتأخرين من العلماء كلهم أهل تصوف، الشيخ البهجوري مثلا كان نقشبنديا.. لم يكن هناك شيخ من شيوخ الإسلام في السنوات الثلاثمائة الماضية إلا وكان صوفيا.. لكن كون أن هناك صلة ما بين أمرين مفترقين لمجرد تشابه جزئي فهذا أمر غير منطقي.
الشيعة مثلا يأخذون بالعقل في بعض الأمور، وهو ما ذهب إليه المعتزلة، فهل يجوز أن نقول إن الشيعة معتزلة؟! على البداهة البعض يمكن أن يقول هذا، لكني أرى أن هذه مجالات ودوائر وملفات مختلفة، وأنها نتاج الفكر الإسلامي عبر القرون.
والذي بدأ تحسس الصلة بين التصوف والتشيع هو مصطفى كامل الشيبي في كتابه المطبوع في دار المعارف (رسالة الماجستير) بعنوان "الصلة بين التصوف والتشيع"، وذهب إلى أن هذه الموافقات الظاهرية صلة بين الأمرين، ونسي أن التمحيص يثبت أن هذا شيء وهذا شيء آخر.
وهذا يذكرني بمن حاول أن يوجد موافقات خارجية بين الإسلام والشيوعية.. مثلما فعل عبد الرحمن الشرقاوي "أبو ذر إمام الاشتراكيين"، ومثله من يرى أن فريضة الزكاة تشبه الضريبة، والحقيقة أن الزكاة شيء والضريبة شيء آخر، وكذا من يقول بأن هناك تشابها بين الديمقراطية والشورى، مع أن الديمقراطية شيء والشورى شيء آخر، وهكذا، وهذه التشابهات لا تدل على الاتحاد.
* حتى لو قيل إن نظرية العصمة للولي عند الصوفية تشبه نظرية العصمة للإمام عند الشيعة؟
- لم يقل أحد من الصوفية إن الولي معصوم، وعبد القادر الجيلاني عندما سـألوه أيزني الولي؟ قال: وإن كان أمر الله قدرًا مقدورًا.. وعندما زنا أحد تلاميذ المرسي أبو العباس وضُبِطَ، فجرى وراءه المريدون حتى يقيموا عليه الحد فركب البحر على منديل، وصار على سبيل الكرامة.. فقالوا له: ما هذا؟ هذا زانٍ فكيف تحدث له تلك الكرامة؟ فقال: إن الكريم إذا وهب ما سلب، وعندما نقول هذا يقوم الإخوة "المتمسلفون"، ويقولون: إذن الصوفية تجيز الزنا، وهكذا... إلخ.
وهذا خلط للأوراق قبيح، والقضية هي أنه لم يقل واحد من الصوفية بعصمة وليه إطلاقا، بل إنهم يتكلمون عما يسمونه بالحفظ، والحفظ قد يكون للولي ولغير الولي، فكثير من المسلمين لم يرتكب كبيرة قط مثلا، فالحمد لله هذا الذي لم يرتكب كبيرة قط هذا محفوظ لكنه ليس معصوما.
أما العصمة عند الشيعة فتعني أمرين: الأول: هو الحفظ، وهذا نقوله لكثير جدا من عموم المسلمين، والأمر الثاني: هو حجية التشريع.