سهل جدا أن تستهزأ برأى من حولك ، وسهل -أيضا- أن تسفه مايقولون ، وتمسح بكل كلمة ينطقونها أرض قارة كاملة ، ولكن الصعب "حقا" أن تواجه الرأى بالرأى ، والحجة بالحجة ، والكلمة بالكلمة!!

وليس المؤسف فى كرة القدم أنها لعبة تقوم على تعدد الاراء ، وتباين وجهات النظر، ولكن فى افتقاد البعض للقدرة على "إستيعاب" ثقافة الاختلاف ، وقبول الاخر ، وإحترام وجهة النظر المقابلة ، وهناك فى هذا الاتجاه نماذج تقليدية راسخة ، للحط من قدر الاخر ، والتقليل من رأيه ، وتسطيح فكره ، وبعثرة وجهات نظره ، ومن أهم العبارة المتداولة فى هذا الاتجاه كثيرا..وهى –أى العبارة- تبدو أقرب الى إتهام من المفترض أن تقلل من قدر من توجه اليه ، وأظن انها لاتظهر- فى الغالب- الاعندما "يفلس" من يطلقها ، ويصبح غير قادرا على مواصلة الدفاع عن رأيه !!

العبارة الشهيره تتخذ العديد من الصياغات فهى تقول أحيانا :"هو لم يمارس الكرة"، أو"انه لم يكن لاعبا سابقا"، "أو لم يمارس اللعبة فى حياته"، وبسبب تلك الاشكال المختلفة للعبارة، تصبح كل كلمة يقولها الموصوم بهذا "الاتهام الشنيع"..سطحية ، وعبيطة ، وغير ذات قيمة ، ولما لا؟! فهو فى هذه الحالة جاهل ب"علوم التكنولوجيا الكروية" ، وفاقدا للاهلية الرياضية ، ولايمكن قبول شهادته فى أى قضية ، أوموضوع يخص اللعبة..الايكفى انه لم يمارسها؟!!هم يتصورون ذلك ، وبالقطع يركبهم الخطأ من رؤوسهم حتى أطراف أصابع أقدامهم..ولكن لمن تقول؟ ولمن تشرح؟!!

القكرة التى أتحدث عنها تروج كثيرا فى كل مكان فى العالم ، ولكنها تبدو أشد وضوحا فى عالمنا العربى ، وأراها مادة دائمة على موائد وسائل الاعلام المختلفة فى مصر، ففى بر المحروسة تجربة عريقة -لاتتكرر بنفس الشكل فى العالم العربى عامة- لسطوة نجوم الكرة..فهم يجدون كل التدليل عندما يمارسون اللعبة ، رغم أن مستوى البعض منهم يدفعك الى الضحك لدرجة الشفقة عليهم، وهم أصحاب مكانة متميزة عندما يعتزلون ، ويحتفظ كل واحد منهم بمكانة ، ومكان فى مختلف المجالات ، ومنها المجال الاعلامى ، ويتصدى من بينهم للمهمة مع أنه يعانى من صعوبات فى الكلام ..مجرد الكلام العادى ، مثل باقى البشر ، فمابالنا بالقدرة على التعبير عن الافكار والمعانى ، وأداء مايعرفونه فى الكتب ، ودور العلم ، والاكاديميات ، بالرسالة الاعلامية المسئولة!!

وقد أذهلنى ، وأنا أستعد لكتابة هذا المقال ، حدوث أكثر من واقعة فى يومين متتالين ، وكلها تدور حول المعنى الذى أتناوله هنا ، وكان أغربها توجيه الاتهام من مدرب الى مدرب ، وكانت بين"سينسيا ميهايلوفيتش" مدرب نادي بولونيا الإيطالي ، الذى سخر من البرتغالى"جوزيه مورينيو"المدير الفني لنادي إنترميلان..وقال عنه "من الصعب أن تتحدث عن كرة القدم مع شخص لم يلعبها من قبل.

وتفاصيل الحكاية تقول إن "مورينيو"-وهو غنى عن التعريف ، وعن توضيح قدراته التدريبية ، ولعله أكثر شهرة من صاحبنا الذى اطلق العبارة الساخنة- قد وصف ميهايلوفيتش بال"متطفل" ، وذكر جماهير الإنتر بواقعة قيامه بالبصق على منافسيه.

وواصل ميهايلوفيتش ..ودققوا معى فيما يقول:"لقد ارتكبت في الماضي أخطاء لكنها أمور تحدث في الملعب وهي أمور لا يمكن لمورينيو الذي عرف كرة القدم من التليفزيون ، ثم شاهدها من جانب خط التماس..أن يفهمها"..ولاتعليق من جانبى ، ولكم الحكم!!

وفى مصر..كان عبد الواحد السيد حارس مرمى الزمالك، يدافع عن أمير عبد الحميد حارس الأهلي وزميله في منتخب مصر ، وانتقد كل من هاجمه بعد خسارة الأهلي في كأس العالم للأندية باليابان..باعتبارالمسئول عن الاهداف الاربعة التى سكنت مرمى بطل أفريقيا!!

وأضاف حارس الزمالك ليقول الجملة المهمة وكانت بالحرف الواحد:"للأسف.. معظم من يهاجمون أمير لم يتولوا حراسة مرمى أي فريق ، بل ولم يلعبوا الكرة من قبل".

اليست هى الفكرة التى يستند فيها البعض الى عدم ممارسة الكرة ، للتدليل على خطأ الرأى ، أوهدم الفهم من الاصل ، وهى –كما قلت- وسيلة سطحية جدا ، لان الكرة ليست من علوم الفضاء ، ولاهى كيمياء ، وأظن أن هناك ممن لم يمارسوا الكرة على الاطلاق ، يفهمون فى اللعبة ، وخططها ، وتكتيكاتها ، والاسس العلمية التى تتعلق بها..إما لانهم قرأوا فيها كثيرا، وبذلوا فى الاطلاع ، والبحث ، والتدقيق ..جهدا ، ومساحة من الوقت ..تفوق عدد السنوات التى لعب فيها النجم كرة القدم..ومرة أخرى أكررها..لمن تقول؟ ولمن تشرح؟

أستغفر الله العظيم.
"نقلاً عن جريدة ستاد الدوحة"