أعظم تعويذة سحرية‏!‏




دارت أحداث هذه التعويذة السحرية في قبيلة بدائية‏,‏ يعيش أهلها في أكواخ داخل غابة مغردة ذات زهور جميلة‏,‏ كان من عادتهم اقامة حفل راقص جماعي مرة كل عام‏,‏ يرقص فيه الشباب من الجنسين‏,‏ حتي يختار كل شاب أعزب آنسة تحلم بزوج مناسب‏.‏ وبطلة هذه الأحداث فتاة نحيفة ذات جمال عادي‏,‏ ليس فيها ما يشد انظار الفتيان‏,‏ تحب في صمت شابا وسيما‏,‏ والقلب وما يشاء‏

لكن عدة فتيات أكثر منها فتنة وسحرا يتوددن إليه‏.‏ ليلة هذا الحفل السنوي لم تنم المسكينة من شدة القلق‏,‏ فأصبحت وهي شاحبة هزيلة‏,‏ خائفة أن يختار هذا الحبيب فتاة غيرها‏,‏ بعد تردد وتوجس‏,‏ توجهت الي ساحر القرية العجوز‏,‏ وباحت له بمخاوفها‏,‏ وراحت ترجوه أن يصنع لها تعويذة سحرية تجعل فتي أحلامها يختارها هي بالذات‏,‏ تسحر أنظاره فيراها أجمل الجميلات‏,‏ وتسحر وجدانه فيراها الفاتنة التي سوف تسعده إن هو تزوجها‏,‏ لتملأ أيامه بهجة وحيوية‏!‏

تأمل الساحر جمالها العادي وصدق دموعها‏,‏ فأشفق عليها وتعاطف معها‏,‏ رأي فيها جمالا خاصا من النوع الذي يتسلل بطيئا علي مهل‏,‏ فإن تسلل تمكن‏,‏ لكنها في حاجة الي عنصر مساعد‏,‏ فقال لها‏:‏

ـ اطمئني يا بنيتي‏,‏ سوف أجد لك تعويذة مناسبة‏.‏ ثم طلب منها أن تنصرف وتعود إليه وقت العصر‏,‏ أي قبل الحفل الموعود بثلاث ساعات تقريبا‏.‏

بمجرد انصرافها نهض الساحر وتوغل في الغابة ومعه سلة من خوص‏,‏ وانهمك يقطف بعض الزهور‏,‏ بديعة الألوان‏,‏ أضاف إليها ترابا ملونا وأعشابا خاصة يعرفها بحكم خبراته المتوارثة وموهبته الابداعية‏..‏ ثم استدار عائدا الي كوخه الهادئ‏,‏ ومن حوله الطيور تغرد‏,‏ وانهمك يعد بعض المساحيق والعجائن والسوائل‏,‏ وعندما انتهي كان أمامه عدة أطباق وأكواب صغيرة فيها مساحيق وسوائل ملونة أحمر واصفر واخضر واسود‏,‏ فنهض وتناول طعاما نباتيا‏,‏ وجلس يستريح‏.‏

أما الفتاة فقد مرت عليها ساعات الانتظار وكأنها أعوام‏,‏ لا تجلس في مكان إلا لتنهض الي مكان آخر‏.‏

من امتداد ظلال الأشجار علي الأرض‏,‏ عرفت الفتاة أن الموعد قد أزف‏,‏ فمضت مسرعة وقلبها يدق بعنف‏,‏ لكنها حينما وصلت الي مقر الساحر‏,‏ ووجدته يرمقها في حنو وتعاطف‏,‏ اطمأنت بعض الشيء‏,‏

أشار لها فجلست أمامه في صمت‏,‏ وانتظرت أن يقدم لها التعويذة في شكل حجاب أو مادة سحرية تذيبها في الماء وتسقيه لحبيبها‏,‏ لكنه لم يفعل ذلك‏,‏ مد كفه ليحرك وجهها يمينا ويسارا‏,‏ ثم مضي يضع علي وجهها ألوانه التي أعدها‏,‏ وهي مستسلمة‏,‏ واندمج يعيد صياغة شكل وجهها مثل أعظم فنان تشكيلي‏,‏ وضع الكحل فبدت عيناها أكثر اتساعا‏,‏ وضع لونا بنفسجيا علي جفونها ثم جعل وجنتيها في لون وردي‏..‏ وبعد أن انتهي من تجميل وجهها‏,‏ عالج شعرها بسوائله حتي صار أكثر اتساقا مع ملامح وجهها‏,‏ وبعد أن اطمأن الي اتقان فنه‏,‏ كانت الفتاة شابة جديدة ذات وجه مشرق أخاذ‏,‏ فقال لها في زهو‏:‏

ـ امضي يا بنيتي الي حفلك مطمئنة‏,‏ لقد صنعت من أجلك‏,‏ ولأول مرة‏,‏ أعظم تعويذة سحرية‏!‏

كان هو بهذه التعويذة السحرية قد ابتكر فن الماكياج أو فن التجميل لأول مرة في هذه القرية المعزولة‏!..‏ وهذه الحكاية كانت فقرة في فيلم ايطالي شاهدته منذ نصف قرن‏,‏ رويتها علي طريقتي مع بعض التجميل أو الماكياج‏.‏

فن التجميل قديم قدم حواء‏,‏ عرفته المرأة وأيضا الرجل‏,‏ وأجمل مثال علي ذلك رسم نفرتاري جميلة الجميلات زوجة رمسيس الثاني المحبوبة في معبد أبوسمبل‏:‏ الثوب المناسب لرشاقة قدها‏,‏ والحلقان والأساور والعقود البديعة المصنوعة من الأحجار الكريمة‏.‏

كان فن التجميل وسوف يظل أعظم تعويذة سحرية في حياتنا الخاصة والعامة‏,‏ هو فن تقديم نفسك للآخرين‏,‏ لكنه جزء من كل‏,‏ يستعين به معظم الساسة في مواجهة الجماهير‏,‏ ويستعين به أرباب الصناعة والاقتصاد‏,‏ فيقوم بتصميم غلاف كل سلعة فنان تشكيلي موهوب‏,‏ يغازل ذوق المشتري‏,‏ والاعلانات التليفزيونية نوع من تجميل السلعة‏,‏ فيشتري الأطفال بأموال الكبار منتجات غذائية أغلبها قليل الفائدة‏,‏ وقد تشتري امرأة بإغراء الاعلان ما لا يناسب وجهها أو قوامها‏,‏ فتنقلب التعويذة السحرية ضدها‏!!‏


منقول