في مطلع الألف الخامس /5000/ قبل الميلاد توصل الإنسان إلى معرفة المعادن (النحاس)، التي صنع منها أدواته المختلفة واستعملها إلى جانب أدواته الحجرية في حياته اليومية.. وقد عُرِفَ هذا الدور (بالعصر النحاسي)، ولهذا العصر أدوار معروفة منها دور "حلف" وهو نسبة إلى مكتشفات تل "حلف" (جوازانا القديمة) بالقرب من بلدة "رأس العين" عند منبع نهر الخابور.
ولتسليط مزيد من الضوء على هذه الفترة التقينا الباحث الآثاري "محمد العزو" بتاريخ (16/11/2008) فحدثنا قائلاً: «في بداية القرن العشرين الماضي قامت بعثة ألمانية بالتنقيب الأثري في هذا التل، تحت إشراف العالم الألماني "البارون أوبنهايم"، ويتميز هذا الدور بإنتاج الفخار ذي الجدار الرقيق المزخرف برسومات هندسية، وأخرى محورة عن الطبيعة مدهونة بألوان زاهية وجميلة، عثر عليها لأول مرة في تل "حلف"، ويقدر تاريخها من /4900 -4300/ ق.م. ومن المواقع الأثرية الأخرى التي تعود إلى هذا الدور في منطقة "الرقة" تل "زيدان" الواقع على بعد ثلاثة كيلو متر شرق مدينة "الرقة" على الضفة الشرقية لنهر البليخ، وسطح هذا التل مليء بالكسر الفخارية الملونة التي تعود إلى الألفين الخامس والرابع ق.م، ويعتقد علماء الآثار والتاريخ أن "تل زيدان"، هو المدينة السالفة لمدينة "توتول" أو "الرقة" القديمة في الألف الرابع ق.م، إذ لا يوجد تل أثري قديم بالقرب من تل "البيعة" أو "توتول" غير "تل زيدان".. وهناك مواقع وتلال أثرية أخرى في منطقة "الرقة" يعود تاريخها إلى فترة الألف السابع وحتى الألف الرابع ق.م».
وعن هذه التلول، يحدثنا "العزو" بقوله: «في فترة ما قبل التاريخ كان هناك استيطان كثيف على ضفتي نهر البليخ، وهذا الاستيطان تطور مع الزمن على شكل مدن مازالت آثارها بادية للعيان، على شكل تلال ذات مقاسات مختلفة ومنها تلول "البغيلات"، وتقع بالقرب من تل "حمام التركمان"، وعددها خمسة تلول أثرية تعود إلى فترة ما قبل التاريخ، وعثر فيها على مجموعة من أجزاء رؤوس نبال، ونوى نصال من الصوان و"الاوبسيديان"، ووجد فيها أيضاً فخار ذو لونين عسلي وأحمر، وفخار غير محروق لكنه أحياناً مصقول. وهناك تلال تنتمي إلى نفس الفترة وهي: تل مفرق "سلـوك" ويقع هذا التل الأثري بالقرب من بلدة "سلوك" الحدودية على بعد /10/كم شرقي قرية "حمام التركمان". وهذا التل شبيه بتلول "البغيلات" الآنفة الذكر. وتل "المنبطح" ويقع هذا التل الأثري
على بعد /4/ كم شرقي قرية "الهيشة" الواقعة على الطريق العام الواصلة بين "الرقة" وبلدة "تل أبيض"، وعثر فوق سطح هذا التل على فخار من نوع "حلف" عليه رسومات هندسية، وفخار آخر من نوع فخار "سامراء"، الألف السابع وحتى الألف الرابع ق.م، كما وجد عليه بقايا نصال واوبسديان وبعض المقاشط والمخارز العظمية إلى جانب المناجل الصوانية ورؤوس نبال وبقايا عظام بشرية محروقة. وتل الصـوان ويقع على بعد /50/ كم شمال مدينة "الرقة"، ضمن أراضٍ زراعية ترتوي من نهري البليخ والأخيضر، لكونه يقع بين هذين النهرين ويعتقد العلماء أنه يحوي بين ثناياه حاضرة قديمة، وهذا بادٍ عليه من خلال حجمه الضخم، كما أنَّه يبعد عن قرية "الهيشة" /4/ كم شرقاً، وهو تل عملاق وجد فوق قمته أدوات صوانية وكسر أوبسيديان ونصال نوى وشظايا، كما وجد فوق سطحه من خلال عمليات المسح الأثري على رؤوس نبال، وفخار ملوَّن من عصر "حلف" (العبيد الانتقالي) إلى جانب الكثير من الكسر الصوانية والاوبسيديان. و"تل المفش" ويقع على الضفة الغربية لنهر البليخ، ويبعد عن "الرقة" مسافة /40/ كم، شمال مدينة "الرقة". وتنتشر فوق سطحه مجموعة كبيرة من كسر الصوان والاوبسيديان، كما عثر فيه على مناجل ونصال صوانية وفخار من نوع فخار عصري "حلف" و"العبيد". و"تل حلو عبد"، وهو تل صغير نسبياً عليه فخار ملون من عصر حلف والعبيد، كما أنَّ سطح التل مليء بكسر الصوان والاوبسيديان. و"تل الرحيات" ويقع إلى الغرب من جسر "شنينة" بالقرب من قرية "الرحيات"، وعثر فوق سطحه على كسر أوبسيديان ونصال عريضة من النوع الكنعاني غير المعروف. يعود تاريخ هذا التل إلى فترة موغلة في القدم من الألف السابع ق.م إلى الألف الرابع ق.م. وأخيراً "تل زيدان" أو "زاذان" ويقع على الضفة الشرقية لنهر البليخ على مسافة /3/ كم شرق مدينة "الرقة"، والمسافة بينه وبين "تل البيعة" (توتول) تقدر بـ /2/ كم تقريباً. ويرى علماء
الآثار أنَّ "تل زيدان" هو المدينة السالفة لمدينة "توتول" القديمة، إذ أنه لا يوجد تل آخر بهذا الحجم وبهذا القرب من "تل البيعة". وأخيراً "تل البيعة" (توتول القديمة)، ويقع التل ضمن سهول زراعية ويطل مباشرة على مجرى نهر البليخ، وإلى الشرق قليلاً من هذا التل توجد مجموعة تلال أثرية تعود إلى فترة ما قبل التاريخ لكن لا نستطيع إلا أنْ نقول للأسف الشديد إنَّ /90%/ منها أزيل بواسطة آليات حديثة أمام مرأى الجميع وبمعرفة السلطات الأثرية. وسطح التل مليء بالفخار الملوَّن من عهود "سامراء" و"حلف" و"العبيد" الانتقالي، وفي القسم الجنوبي من جسم التل يلاحظ وجود كسر فخارية وآثار بقايا سكن لمجموعة من السكان تعود إلى الفترة الهلنستية، ومع ذلك فإنه من الضروري إجراء حفريات أثرية لمعرفة تاريخ هذا التل معرفة جيدة».
ويضيف الباحث "العزو" قائلاً: «إنَّ وادي البليخ يعج بالمواقع الأثرية التي تعود لعصور ما قبل التاريخ، ويظهر هنا أنَّ الاستيطان في هذه المنطقة يعود إلى الألف السابع ق.م وقد استمر حتى الألف الرابع ق.م، وتعتبر منطقة "الرقة" هامة جداً نظراً لموقعها في منتصف الطريق بين بلاد الرافدين وسواحل البحر الأبيض المتوسط، وأنَّ الآثار التي تم الكشف عنها في منطقة "الرقة" تشير إلى وجود علاقات حضارية وتجارية بين هاتين المنطقتين في عصور ما قبل التاريخ».
ومع انتهاء العصر النحاسي ظهر عصر البرونز الذي يعني ظهور الفترة التاريخية التي تميزت باختراع الكتابة في عام /3200/ قبل الميلاد، يحدثنا "العزو" عن هذه الفترة بقوله: «يبدأ عصر البرونز حسب المكتشفات الأثرية بشكل عام في بداية الألف الثالث قبل الميلاد. لكن هذا العصر يؤرخ في سورية، ودائما حسب نتائج التنقيب الأثري، بعد عام /2500/ ق.م، إلاَّ أنَّ هذا التأريخ لا ينسحب على جميع المدن السورية، إذ أن عصر البرونز بدأ في الشمال والشمال الشرقي من سورية قبل أن يبدأ في جنوب وفي غرب سورية، لذا فإن
سورية الأثرية كي تُسْتَوْعَبْ تماماً لا بد من تقسيمها في عصور البرونز إلى شرائح ثلاث، هي شريحة الجزيرة السورية العليا والفرات، وعمودها الفقري نهر الفرات ومن مدن هذه الشريحة ماري "تل الحريري" ومدينة "توتول"، والشريحة الثانية، هي السهول الداخلية والهضاب والبوادي، وعمودها الفقري أنهر مهمة مثل العاصي وبردى ونهري قويق والذهب أيام زمان. وأهم مدن هذه الشريحة "إيبلا" (تل مرديخ)، أما الشريحة الثالثة فهي، شريحة الساحل والجبال المطلة عليه، وعمودها الفقري البحر وعروس مدائنها، "أوغاريت"، "رأس شمرا".. إن الشريحة الأولى تؤكد أن "الرقة" تزخر بالعديد من المواقع الأثرية والأوابد التاريخية، التي تعود إلى عصر البرونز بمراحله الثلاثة، القديم والوسيط والأخير».