ما تزال بعض مدارس محافظة "الرقة" تفتقد المدرسين، وهو افتقاد غالباً ما يؤدي إلى ضرر مؤكد يصيب عدداً كبيراً من الخلق، مهما كانت تلك المدارس قليلة أو نادرة، ذلك أن الضرر يشمل الطلاب أولاً، ثم أهلهم ثانياً، ثم قريتهم، ثم مدينتهم، ثم وطنهم.. ولا نبالغ فتلك هي الحقيقة، فالناقص التكوين أو الناقص الإعداد سيكون عالة على نفسه وعلى أهله وعلى وطنه..!
يلحق الضرر بالكثير من الخلق حتى لو كان ذلك الافتقاد للمدرسين يقتصر على مدرسة واحدة، ذلك أن المدرسة الواحدة تضم عشرات الطلاب، ويزداد حجم الضرر إن كان عدد المواد التي لا مدرسين لها كبيراًً، فكل مادة هي مشكلة في حد ذاتها، ذلك أن المادة التي ليس لها من يدرسها ستكون مغلقة على الطالب، وهذا ما يجعل تكوينه ناقصاً إذ لن يتمكن من متابعتها ما دام ثمة فجوة سواء في هذه السنة أو في السنة القادمة، وهذه الفجوة أو الفراغ ستشكل ضعفه الذي سيلاحقه أينما ذهب، حتى لو اشترى لنفسه مدرسين خصوصيين..!
الضرر أكيد حتى لو كان غياب المدرس عن المادة لا يتجاوز شهراً واحداً، أما إن تجاوز ذلك فإن الضرر يصبح قاتلاً وعميقاً ومهدداً للمستقبل.. ومن هذه المدارس المنكوبة التي لم يصلها المدرسون، ليس لأنها نائية، وإنما لأنها سيئة الحظ فقط، مدرسة إعدادية "الكرامة" الجنوبية للتعليم الأساسي، المرحلة الثانية، وهي تحتاج إلى مدرس للرياضيات، وآخر للغة الانكليزية، ومن هذه المدارس أيضاً مدرسة قرية "أبو جدي"، وهي إعدادية، وتحتاج إلى مدرسين للغة العربية، وللعلوم وللغة الفرنسية وللغة الانكليزية، ولم يصلها هؤلاء
منذ فتحت المداس أبوابها، علماً أن من ينقطع طويلاً عن بعض المواد يصبح مستقبل هذه المواد في الماضي، ولا يستطيع الطالب أن يجعل هذه المواد في الزمن الآتي إلاّ إن كان طالباً استثنائياً، وما أندرهم..!
يؤكد ما ذهبنا إليه أن ثلث شعبة الصف التاسع، في المدرسة الأخيرة، انتقلوا إلى مدينة "الرقة" ليأسهم من وصول المدرسين ولخشيتهم من أن يصبح مستقبلهم في ماضيهم الذي لن يستطيعوا تغييره، ناهيك عما يصرفونه من أموال غير متوفرة ولكنه العناد المر والخلق الوعر..!
قد نمحو الأمية أحيانا، ولكننا نواصل تنمية الأمية الثقافية كلما قطعنا الحبل في منتصف البئر..!
ويؤكد ما ذهبنا إليه، ما قاله لموقع eRaqqa السيد "حمد الترن"، من أهالي "أبو جدي"، بتاريخ (24/11/2008): نتيجة غياب المدرسين في القرية، اضطررت أن أرسل ابني إلى مدينة "الرقة"، والمال ليس بالضرورة المشكلة الرئيسية، لكن ابتعاد الابن عن المنزل، وسكنه في المدينة، يكون بعيداً عن إشراف أهله، وتوجيهه بالشكل الملائم، حفاظاً عليه من رفاق السوء، أو الانحراف أو سلوك طريق شائن، فالتربية أساس كل شيء، ولا يمكن بحال من الأحوال أن نترك أعمالنا الزراعية، لنذهب مع أبنائنا إلى المدينة، ونخسر أرزاقنا..!