قصة ولادة وموت الدكتور عصفور
محمد حسنين هيكل
محمد حسنين هيكل: مساء الخير. أريد أن أذكر نفسي قبل أن يذكرني غيري بأن
حديثي هذه الليلة يجب أن يكون الطريق إلى أكتوبر بادئا بحرب الاستنزاف وهي
المرحلة الأولى من الطريق إلى أكتوبر لكني وقد توقفت في المرة السابقة في
الحديث السابق عند موضوع مهم جدا وهو موضوع العملية الدكتور عصفور أرى أنه
من الضروي أو من المناسب أن أواصل بعض الشيء لأن هذه العملية كانت متصلة
بالعكس كانت مركزية في موضوع حرب الاستنزاف وأظن أن بعض التفاصيل فيها قد
تكون مفيدة جدا وتساوي التوقف عندها حتى وإن بدا التوقف نوعا من الشرود.
هذه العملية -لكي أذكر- هذه العملية كانت
عملية
اختراق السفارة الأميركية، اختراق مبنى السفارة الأميركية وقد تم في أواخر
سنة 1967 أوائل 1968 وقد تم بإذن من جمال عبد الناصر لأنه لم يكن ممكنا لأحد في هذه
الظروف أن يدخل السفارة الأميركية وأن يضع فيها أربعة ميكروفونات حديثة
تنقل كل ما يجري فيها وكل ما يدور والأربعة ميكروفونات إحداها في مدخل
السفارة والثانية في صالون السفارة والثالثة في غرفة الطعام والرابعة في
البهو الأعلى من الدور الثاني من مبنى السفارة وهو الدور الذي كان السفير
عادة وضيوفه يجلسون لتناول الإفطار،
هذه العملية لم يكن
ممكنا في تلك الظروف أن تتم إطلاقا إلا أولا بقرار من جمال عبد الناصر وأظن
أنني واحد من الذين فوجئوا بأنه أعطى هذه الموافقة، أنا لم أعلم بهذه
العملية ولكي أكون واضحا ودقيقا لم أعلم بهذه العملية إلا بعد أربعة شهور
من بدئها وكان الذي قال لي هو الرئيس مباشرة وعندما ذكر لي ما أمر به أبديت
دهشة شديدة جدا لأنه نحن في هذه المرحلة كنا نحاول استعادة نوع من الاتصال
مع الولايات المتحدة الأميركية وكان هذا ضروريا في ذلك الوقت لضرورات
المعركة بمعنى أننا كنا ندرك أو كان في إدراك عام أن المعركة سوف تطول،
الاستعداد لها سوف يقتضي سنوات قدرت ما بين ثلاث إلى أربع سنوات وهذه
السنوات لا بد أن يملأها عمل سياسي ثم أن موازين القوى الدولية في ذلك
الوقت كانت تحتم على شكل ما وعلى نحو ما ضرورة استعادة نوع من الاتصال مع
الولايات المتحدة الأميركية وكان هناك أيضا إحساس أن عملية من هذا النوع لا
يمكن أن تمر دون مخاطر لأن زرع هذا العدد من الميكروفونات مهما قيل لي
إنها حديثة لا يمكن أن تستعصي على الإمكانات المتوفرة للسفارة الأميركية
ولحمايتها في القاهرة في ذلك الوقت من الصراع الدائر في الشرق الأوسط،
وأتذكر أنني أبديت دهشة جدا عندما أخبرني الرئيس جمال عبد الناصر وهو
يعطيني أحد هذه التقارير ويلفت نظري إلى بعض ما جاء فيه فقد أبديت دهشة
شديدة جدا ولكنه هو رأى أو هو قال لي في ذلك الوقت إنه كانت لديه أسباب،
الأولى حاجتنا الشديدة جدا للمعلومات وهو يدرك أنه في مخاطرة وهو يدرك أن
هذه المخاطرة قد تؤثر على علاقات يا دوب استأنفناها مع الولايات المتحدة
الأميركية بشكل أو آخر وهي قلقة بعد العدوان بعد سنة 67 يعني وهو لكنه يرى
واحد أنه إذا كانت هناك مخاطرة وهي محسوبة فلا بد من الإقدام، نحن في حاجة
إلى معلومات وبشدة لأن أكبر ما ظهر عندنا هو نقص المعلومات من الداخل من
العمق، أظن أنه هو أشار في ذلك الوقت -مش أظن أنا متأكد- أنه أشار في ذلك
الوقت أنهم لم يتحرجوا إطلاقا في عملية الأستاذ مصطفى أمين التي كان
يعتبرها قد أدت لانكشاف شديد جدا لأن الأستاذ مصطفى أمين كان في وضع يسمح
له بأن يعرف أشياء كثيرة جدا وجمال عبد الناصر كان بيلوم نفسه أيضا وأظن
أنه وجه لي لوما لأني أنا أحسست بحرج، هو كان يمكن عنده بعض الحرج لكن أنا
عندي حرج شديد جدا في هذا الموضوع لأن الأستاذ أحمد أبو الفتح تقدم ببلاغ
ضد الأستاذ مصطفى أمين والأستاذ علي أمين في أول يوم في الثورة ثم قبض
عليهما وتدخلت أنا وفي مرة من المرات أخذت معي الأستاذ التابعي وحاولنا بكل
ما يمكن أن نوضح أن هذا الكلام سببته غيرة مهنية يمكن من جانب الأستاذ
أحمد أبو الفتح وصلات معقدة بين أسرة أبو الفتح وأسرة أمين وشراكة انفضت
وبقيت منها رواسب وعلى أي حال صدر قرار بالإفراج وبعد ذلك بعد فترة من الشك
وبعد فترة من الاختبار بشكل أو آخر أظن أن مصطفى رجع إلى وضعه الطبيعي
يمارس فيه لكن عندما انكشفت القضية تبين أن الموضوع لم يكن فقط ما يعلمه
مصطفى لكن مصطفى في ذلك الوقت وأنا يعني هذا موضوع أنا أتجنب باستمرار
الكلام فيه لكنه أما وقد صدر في التاريخ الرسمي للوكالة أو على الأقل
التاريخ المعتمد لوكالة المخابرات المركزية ونشر في صدد العلاقة المعقدة
بين الخارجية وبين وكالة المخابرات المركزية فأنا في هذا الموضع أقدر أسمح
لنفسي بما لم أسمح به من قبل،
المشكلة أن الأستاذ مصطفى
أمين في ذلك الوقت وهو رئيس تحرير أخبار اليوم وهو صاحب أخبار اليوم السابق
حتى بعد تنظيم الصحافة وهو موجود وله نفوذ كبير جدا هناك حوالي 70 إلى 75
محررا بيكتبوا له أخبار للعلم، في في التقاليد الصحفية هناك ما نسميه نحن
أخبار لعلم هيئة التحرير لعلم رئيس التحرير بالتحديد وهي أن المحررين
يقدمون لرئيس التحرير أخبارا موجودة لا يمكن نشرها في هذا الوقت لكنها قد
تدل على اتجاه أخبار وقد تدل على خفايا قد تستعملها رئاسة التحرير عند
اللزوم في قصص إخبارية تكمل بها إذا جد شيء يستدعي العودة إليها وبالتالي
فالأستاذ مصطفى أمين كان عنده 70 تقريبا أو 80 محررا بيكتبون له تقارير
العلم إلى جانب ما ينشر بالإضافة إلى ذلك مصطفى كان مرات كثيرة قوي بيكلم
جمال عبد الناصر مرة مثلا كل شهر ولا كل شهرين وتضايق جمال عبد الناصر جدا
عندما عرف أن بعض مكالمات مصطفى معه سجلت بقصد أن تدرس نبرات الصوت
وذبذباته تضايق عندما عرف أن مصطفى كان بيشوف بعض أطبائه وأنه بيحاول يعرف
منهم معلومات عن أحواله الصحية خصوصا بعد أن أصيب بمرض السكر، أيضا
مصطفى كان على اتصال مستمر به. أنا حتى بعد أن خرجت من أخبار اليوم لأقوم
على منصب رئيس تحرير الأهرام سنة 57 ظللنا على اتصال وثيق جدا واتفقنا على
أن نتغدى معا كل يوم ثلاثاء وهم اللي اختاروا اليوم ده ولم أكن أدري في ذلك
الوقت أن يوم الثلاثاء مخصص لي بأقعد أتكلم معهم على الغداء كل يوم لكي
نستبقي الصلات ولا تضيع باعتبار أن كل واحد فينا تفرق بعمله إلى مكان ويوم
الأربعاء اليوم التالي هو اليوم المخصص لرؤية أو لمقابلة بروس أوديل هذا
الرجل العميل المستهتر جدا لأنه حتى تقرير الوكالة غاضب منه جدا لأنه
استهتر بشكل أو آخر وكشف مصدرا مهما لم يكن هناك ما يقضي إطلاقا أو ما يسمح
إطلاقا أو ما يدعو إطلاقا إلى كشفه بهذه البساطة، لكن أنا أيضا اكتشفت أن
كل ما كنت أقوله يوم الثلاثاء أو نتحدث فيه يوم الثلاثاء يذكر يوم الأربعاء
ثم يذكر منسوبا إلى الرئيس وأنا اللي بأتكلم أنا اللي قاعد بأتكلم،
بالإضافة إلى ده مصطفى عنده صلات كثيرة قوي حتى بصلاح نصر، بيشوف صلاح نصر
بطريقة منتظمة وبيقدم له معلومات وبتاع وأنا شخصيا واحد من الناس اللي
قالوا له إن هذا لا يليق به وكتبت هذا سجلته في الكتاب اللي اسمه "بين
الصحافة والسياسة" وذكرت فيه بعض الوقائع وأتذكر أنه أنا شخصيا ومش عايز
أوغل قوي في الكلام ده كله أنا وضعت هذا الكتاب وألحقت به أربعين وثيقة
واعتقدت أن هذا يكفيني في الرد على حملات شديدة وجهت إلي في هذا الوقت
وانتظرت أن أستاذ مصطفى إما يعارضني فيما قلت وإما أن يرفع قضية لأن الأمر
بالنسبة له كان لا يسمح له على الإطلاق أن يتجاهل ما قيل لكنه استشار
محاميه فيما أعلم وعقدوا جلسات مختلفة ثم استقر الرأي بينهم جميعا على أنه
لا داعي لشيء، أذكر أيضا في هذا الصدد في صدد أنني مش عاوز أتكلم في هذا
الموضوع بعد ما حطيت موقفي مسجلا في كتاب أنه في ذات يوم متأخرا قوي يعني
يمكن في التسعينات في أواخر التسعينات أن الدكتور مصطفى الفقي اتصل بي في
يوم من الأيام وقال لي على التلفون قال لي إن الرئيس مبارك كان موجودا
النهارده في زيارة أخبار اليوم ولفتت نظره الطريقة التي يتكلم بها الأستاذ
مصطفى أمين ويبدو معها وكأنه مسنود إلى قوى لا أحد يعلم ماذا هي والرئيس
مبارك عنده فكرة عما جرى ويعلم أو قال له مصطفى الفقي إنني كتبت كتابا في
هذا الموضوع طبقا لكلام مصطفى الفقي اللي عندي -يعني أنا بأكتبه أنا ما
بأسجلش حاجة بأشياء إلكترونية أنا بأكتب- قال لي مصطفى الفقي إنه قال
للرئيس إن هيكل كتب كتابا ما تخرش منه المياه وطلب مني نسخة من هذا الكتاب
لأنه قال لي إن الرئيس طلب هذه النسخة لكي يقرأها هذه الليلة وهما في طريق
العودة من أخبار اليوم إلى المقر الرئاسي أو إلى القصر، فأنا على طول كده
وبدافع معرفة الحدود وليس بدافع آخر من غير ما أتكلم على الأخلاق ولا
القانون ولا أي حاجة ولا اللياقة ولا أي حاجة ثانية بأتكلم على معرفة
الحدود قلت للدكتور مصطفى الفقي يا دكتور مصطفى أنا لا أستطيع بعد ما حكيته
لي، لو كنت قلت لي من الأول إنك عاوز نسخة من الكتاب كنت بعثتها لك لكن
أما وقد قلت لي إن الرئيس مبارك هو اللي عايزها بعد هذا الحديث فأنا بأعتذر
عن أن أقدم هذا الكتاب لأني أعتبر أن تقديم هذا الكتاب نوع من البلاغ
المباشر ضد الأستاذ مصطفى أمين وبرغم كل شيء فأنا لا أسمح لنفسي بهذا وأبدى
مصطفى دهشته وقلت له على أي حال عندكم مكتبة مدبولي تقدروا.. هو قال لي
تأخرنا بالليل قوي قلت له تقدروا تفتحوها بأي وسيلة والحاج مدبولي يقدر
يديكم أي نسخ أنتم عاوزينها أما أنا شخصيا ما عنديش نسخ، مع أنه كان عندي
في واقع الأمر لكن أنا لم أرد أن أدخل في هذا الموضوع بأكثر من ده. لكن
بأرجع ثاني أكثر حاجة في اعتقادي وأنا حسيت بها وسألت فيها جمال عبد الناصر
في ذلك الوقت عندما أخبرني لأول مرة عن العملية عصفور وأبديت دهشة
كيف سمح بهذه العملية رغم مخاطرها الشديدة وقال ذكر ضمن أسبابه
أنهم لم يراعوا معنا شيئا ونحن لا نراعي معهم شيئا إذا كنا نستطيع أو
نقدر، وأنا أحسست أن موضوع مصطفى كان موجودا لأنه كان يشعر بضيق منه
لم يفارقه لفترة طويلة لأنه يعتبر أنه خدع فيه بشكل أو آخر، هناك من نبهه
في أول الثورة وهو الأستاذ أحمد أبو الفتح وهناك من حاول إثناءه أو تغيير
وجهة نظره وهو أنا ثم مشيت الأمور ووصلت إلى المدى الذي وصلت إليه وهو
يعتبر أن هذه عملية ويمكن بتفكير الصعايدة بني مر طلعت ثاني يعني أنه لا بد
أن يرد عليه وأظن أن العملية عصفور في جزء منها جانب عوامل كثيرة جدا
وجانب اعتبارات كثيرة جدا المخاطرة الكبيرة فيها أظن أن قضية الأستاذ مصطفى
أمين لعبت دورا كبيرا في هذا الموضوع. حأرجع موضوع العملية عصفور حأرجع
فيها، عاوز أذكر أن
العملية عصفور زي ما قلت هي
اختراق السفارة الأميركية وعايز أذكر أن ما قلته إن معنى اختراق السفارة
الأميركية أن هناك كنزا من المعلومات لا ينتهي وفيضا مذهلا وهذه العملية
بقيت ثلاث سنين ونصف دون أن يتنبه إليها الأميركان ثم كنا نحن مع الأسف
الشديد بالطريقة التقليدية اللي كشفنا هذه الحكاية لأنه في شهر مايو ويونيو
سنة 1970 ثار الخلاف الذي يسمى بخلاف مراكز القوى، صراع مراكز القوى ثم
حدث أن بعض الناس في مراكز القوى اللي كانت بتروح لهم التقارير لأن اقترحت
أنا.. في المرحلة الأولى كانت قاصرة على جمال عبد الناصر، بمعنى أن جمال
عبد الناصر كان بيتلقى هذه التقارير مباشرة ومن ضباط الأمن القومي الذين
قاموا على تنفيذها لأنه كانت هناك رغبة في حصر الموضوع إلى أبعد مدى لكن
بعد رحيل جمال عبد الناصر وتعددت مراكز القرار بدأت ثلاثة نسخ من ثلاثة إلى
خمسة توزع على بعض المسؤولين منهم السيد علي صبري، السيد شعراوي جمعة،
الفريق محمد فوزي، طبعا السيد سامي شرف كان بيشوفها لكن المشكلة أنه لما
جئنا في موضوع صراع مراكز القوى مع الرئيس السادات حدث أنه أراد بعض الناس
في مراكز القوى أن يثبتوا على الرئيس السادات بعض شكوكهم باستعمال وثائق
العملية عصفور والحاجة الثانية في نفس الوقت مع الأسف الشديد أن الرئيس
السادات يوم كده قال لي بيحكي لي بيقول لي إن كمال أدهم -وهو مستشار الملك
فيصل في ذلك الوقت- جاء له وبيقول له إن الخناقة مع مراكز القوى حتعمل
مشكلة كبيرة قوي وهل أنت متأكد من الأدلة الموجودة عندك وكذا والرئيس
السادات شرح له ما لديه ثم أضاف شيئا عن رغبتهم في استغلال عملية معينة
لإلحاق تهمة الاتصال بالأميركان بأبعد مما هو لازم ومحاكمته في اللجنة
المركزية والقبض عليه في اللجنة المركزية وكمال أدهم سأله -طبقا لرواية
الرئيس السادات لي- كمال أدهم سأله هل هو متأكد من كل الكلام ده كله
فالرئيس السادات قال له إنه إحنا كنا بنسجل جوه السفارة الأميركية وأن
الرئيس السادات بيحكي لي بيقول لي –متأسف، هو بيقول لي- "الواد كمال كان
حيقع من طوله لما قلت له" أنا خبطت على رأسي قلت له أنت قلت له؟ قال لي آه
لا لا مأمون ما تقلقش، لكن على أي حال بعد أسبوعين ثلاثة من قصة واحد أنه
تفكير في محاكمة الرئيس السادات والقبض عليه واعتقاله على أساس الاتصال
بالأميركان بما ظهر أو ببعض ما ظهر في أوراق العملية عصفور وتسجيلاتها بدأ
يتسرب إلى بعض ناس في التنظيم وبدأ يتسع نطاقه، والحاجة الثانية أن الرئيس
السادات حكى لكمال أدهم عن ثقة فيه أو لسبب أو لآخر والسيد كمال أدهم هو
رئيس المخابرات السعودية في ذلك الوقت وهي البنت الشرعية للمخابرات
الأميركية وكمال أدهم نفسه لم يكن ينكر هذا. أنا الحقيقة ذهلت لكن اللي حصل
بعد كده أن ميكروفونات العملية عصفور بدأت تتوقف واحدة بعد واحدة بعد
واحدة وفي ظرف ما لا يزيد عن أسبوعين أو عشرين يوما كانت كل الميكروفونات
تم العثور عليها وأبطل مفعولها وسكت الدكتور عصفور إلى الأبد.