تواترت المعلومات والتقارير الإخبارية التي
ظلت خلال الأيام الماضية وهي ترصد تداعيات كارثة الزلزال العنيف الذي ضرب
جزيرة هاييتي, وما كان لافتا للنظر ما أوردته اليوم وسائل الإعلام وهي
تبرز الاهتمام الأميركي غير المسبوق بتقديم المساعدات والمعونات لجزيرة
هاييتي, فما هي حقيقة هذا الاهتمام, وما هي أبرز الشكوك التي كشفت عنها
الانتقادات الفرنسية والأوروبية لهذا الاهتمام؟
الواقع الميداني في هاييتي:
قبل بضعة أيام ضرب زلزال شدته 7 ريختر "إجمالي مقياس ريختر للزلازل هو 8
درجات" جزيرة هاييتي, وألحق دمارا واسعا بالجزيرة, وتقول المعلومات
الجيوفيزيائية, بان مركز الزلزال كان على بعد 18 كيلومترا فقط عن الجزيرة,
بحسب الإحصائيات, تقول الأرقام المتزايدة, بأن عدد القتلى حتى الآن قد بلغ
50 ألفا, تم انتشالهم من تحت ركام الأنقاض, وتم دفنهم في القبور الجماعية,
إضافة إلى وجود 250 ألف جريح يفتقرون إلى العناية الطبية, وأصبح معظمهم
مهدد بالموت جراء الالتهابات الحادة بفعل تعفن الجروح, وإضافة إلى ذلك,
تقول المعلومات بأن هناك حوالي 200 ألف مفقود, مازالوا موجودين تحت ركام
الأنقاض, وحتى الأحياء منهم من الصعب عليهم البقاء لفترة أطول بسبب الجوع
والعطش والنزيف, إضافة إلى تزايد احتمالات انتشار الأمراض الفتاكة بسبب
تدهور الأوضاع الصحية العامة.
إشكالية التدخل الإنساني الدولي: عقبة واشنطن:
بمجرد ظهور المعلومات الأولية عن وقوع الزلزال, فقد سارعت الولايات
المتحدة الأميركية إلى إرسال بعض القطع العسكرية الأميركية بما أتاح
للقوات الأميركية تحقيق السيطرة العسكرية البحرية الكاملة في المناطق
المحيطة بالجزيرة, وإضافة لذلك, فقد سارعت وحدات من القوات الجوية
الأميركية لجهة تحقيق السيطرة الكاملة على المطارات وأجواء جزيرة هاييتي.
تقول المعلومات الأولية, بان قوام القوات الأميركية التي تم نشرها في هاييتي بعد وقوع الزلزال, هو:
•سفينة الهجوم البحري باتان.
•سفينة الإنزال البحري فورت مارك هنري.
•سفينة الإنزال البحري كارترهول.
•سفينة العناية الطبية كومفورت.
•العديد من القطع البحرية التابعة لقوات خفر السواحل الأميركية.
•العديد من طائرات الهيلوكبتر التابعة لقوات خفر السواحل الأميركية.
•حاملة الطائرات كارل فينسون.
•حاملة الصواريخ نورماندي.
•حاملة الصواريخ آند وود.
•2000 عنصر تابعين لوحدة التدخل السريع التابعة للوحدة 22 التابعة لقوات مشاة البحرية الأميركية.
•2000 عنصر تابعين لوحدات التدخل السريع التابعة للفرقة 82 المحمولة جوا.
•4200 عنصر تابعين للقيادة العسكرية الجنوبية الأميركية المسئولة عن أميركا الجنوبية.
•6300 عنصر تابعين للقيادة العسكرية الجنوبية الأميركية, متوقع وصولهم خلال الأيام القادمة للجزيرة.
•24 طائرة هيلوكبتر تابعة للقيادة العسكرية الجنوبية الأميركية.
هذا, وبالإضافة لسيطرة قوات البحرية الأميركية على المناطق البحرية
المحيطة بجزيرة هاييتي, فقد حققت القوات الجوية الأميركية سيطرتها الكاملة
على المطارات وأجواء الجزيرة.
زعمت الإدارة الأميركية, بأن عملية الانتشار العسكري الأميركي الواسعة هذه
تهدف بشكل أساسي إلى حماية الجزيرة وسكانها, من استشراء حالات الفوضى
والاضطرابات, والتي يمكن أن تؤدي إلى تهديد أمن واستقرار منطقة الكاريبي
على النحو الذي سوف تهدد مخاطره أمن واستقرار الولايات المتحدة الأميركية,
إضافة إلى احتمالات أن تغري حالة الفوضى كل من كوبا وفنزويلا وغيرها من
دول محور الشر بأن تتدخل لجهة تصعيد التهديدات ضد أميركا.
ماذا وراء التدخل الأميركي:
بدأت حقيقة النوايا الأميركية إزاء أزمة زلزال هاييتي تنكشف أكثر فأكثر, وذلك عندما برزت النقاط الآتية:
•قيام القوات الأميركية بمنع الطائرات وسفن المساعدات القادمة من بعض الدول الأوروبية, وعلى وجه الخصوص فرنسا.
•قيام القوات الأميركية بالسماح للطائرات الإسرائيلية والتي وصلت على عجل
وهي محملة بـ"القليل" من الفرق الطبية والمساعدات, و"الكثير" من العتاد
غير المعروف.
•قيام الإدارة الأميركية بمطالبة حلفاءها الذين يرغبون في تقديم المعونات
والمساعدات, بأن يقوموا بتسليم مساعداتهم ومعوناتهم حصرا لأميركا, والتي
سوف تقوم بدورها بالإشراف على إيصال هذه المساعدات.
•قيام القوات الأميركية المسيطرة جوا وبحرا على جزيرة هاييتي بالسماح لقدر
قليل من المساعدات القادمة عن طريق الجو, وحصرا من البلدان الحليفة
لأميركا, والتي حصلت على إذن استثنائي مسبق من واشنطن لجهة تقديم
المساعدات المحددة سلفا.
•وعلى هذه الخلفية, فقد بدأت خلال اليوم والأمس, انتقادات منظمات حقوق
الإنسان, والمنظمات الدولية العاملة في مجال المساعدات الإنسانية, وهي
توجه المزيد من الانتقادات التي تتهم الإدارة الأميركية وقواتها المتمركزة
في الجزيرة, بمنع وعرقلة وصول المساعدات الإنسانية إلى سكان هاييتي, وصرح
العديد من زعماء هذه المنظمات بان واشنطن تحمل المسئولية الكاملة ليس عن
تدهور الأوضاع الصحية والإنسانية وحسب, وإنما المسئولية عن عمليات السلب
والنهب الواسعة النطاق التي حدثت في هاييتي من جراء عدم قيام القوات
الأميركية بتقديم أي مساعدة لجهة حفظ الأمن والممتلكات والأرواح.
هاييتي وسيناريو الكابوس الأميركي:
تقع جزيرة هاييتي في منطقة الكاريبي, وقد تم تأسيس الجزيرة في عام 1697م
تحت اسم جزيرة سانت دومينك, وظلت تخضع للنفوذ الاستعماري الفرنسي, ثم نالت
الجزيرة استقلالها في عام 1804م من فرنسا بعد ثورة مسلحة, برغم أنها أطاحت
بالوجود العسكري-الأمني الفرنسي فإنها لم تنجح بالإطاحة لا بالثقافة
الفرنسية ولا باللغة الفرنسية.
تبلغ مساحة هاييتي 27751 كم, ويبلغ عدد سكانها حوالي 10 مليون نسمة, أما الناتج المحلي الإجمالي للجزيرة فهو 11,5 مليار دولار سنويا.
قد لا تكون هذه الأرقام هامة لدول عظمى مثل الولايات المتحدة الأميركية, ولكن, ما هو هام بالنسبة لأميركا هو:
•السيطرة على المزايا الجيو-ستراتيجية الهامة التي ينتجها تمركز القوات الأميركية في هاييتي.
•حرمان كوبا وفنزويلا وبقية خصوم أميركا الحاليين والمحتملين في أمريكا الجنوبية من الحصول على موطن قدم في هاييتي.
•بناء شبكة تحالفات أميركية-كاريبية واسعة النطاق تضم هاييتي والدومنيكان
وبربادوس وغيرها بما يجعل من البحر الكاريبي بحيرة أميركية خالصة.
نقلت وسائل الإعلام مساء الأمس, مشهدا مثيرا للاهتمام, فقد ظهر على شاشات
التلفزة العالمية, الرئيس باراك أوباما, وعلى يمينه الرئيس الأميركي
الديموقراطي السابق بيل كلينتون, وعلى يساره الرئيس الأميركي الجمهوري
السابق جورج دبليو بوش.
أعلن أوباما, بحضور الرئيسين السابقين كلنتون وبوش, عن قيام الإدارة
الأميركية بإطلاق أكبر حملة عالمية لتقديم المعونات والمساعدات الإنسانية
إلى جزيرة هاييتي, وتضمن إطلاق الحملة الآتي:
•التزام الرئيس أوباما بتقديم 100 مليون دولار بدعم صندوق مساعدة هاييتي.
•التأكيد على بيل كلينتون كمبعوث أميركي خاص لجزيرة هاييتي إضافة إلى القيام بجمع التبرعات والمساعدات الدولية لهاييتي.
•التأكيد على جورج دبليو بوش كمشرف على حملة جمع التبرعات من القطاع الخاص والمنشآت الأميركية.
هذا, وتقول المعلومات والتسريبات, بان صندوق دعم هاييتي المخصص لجمع
التبرعات والمساعدات, سوف لن يقبل استلام أي مبلغ يقل عن 25 مليون دولار ,
وتشير التقديرات, إلى الآتي:
•أن يصل الحد الأدنى لمبالغ التبرعات نصف ترليون دولار "500 مليار دولار" خلال فترة وجيزة.
•التصرف في إنفاق أموال الصندوق سوف يتم حصرا بواسطة جورج دبليو بوش وبيل كلبنتون.
وإضافة لذلك, فإن الإدارة الأميركية قد بدأت بممارسة المزيد من الضغوط على
حلفائها, وعلى وجه الخصوص اليابان, والدول الأوروبية الغربية, إضافة إلى
السعودية ودول الخليج لجهة ضرورة تقديم التبرعات لهذا الصندوق, وتقول
المعلومات, بان واشنطن سبق وأن وضعت المزيد من الاتفاقيات السرية التي
تلزم حلفاء أميركا بعدم تقديم التبرعات والمساعدات بشكل منفرد أو
استثنائي, وإنما حصرا ضمن برنامج المساعدات الدولية المتعددة الأطراف التي
تشرف عليها واشنطن.
تشهد الساحة الأميركية هذه الأيام عملية تحركات ومناورات واسعة بواسطة
الشركات التي يملكها أو يرتبط بها كبار أعضاء الكونغرس الأميركي, وذلك بما
يتيح لهم البحث عن المزيد من الفرص المريحة الجديدة في عملية إنقاذ ودعم
هاييتي.
ومن أبرز الشركات التي تسعى إلى جني ثمار كارثة الزلزال, نجد:
•الشركات الطبية الأميركية.
•شركات النقل الأميركية.
•شركات الأغذية.
•شركات البناء والإنشاءات.
•شركان الخدمات الأمنية.
وأضافت المعلومات, بأن الشركات الإسرائيلية تنخرط حاليا في وضع المخططات
ودراسات الجدوى الاقتصادية والتجارية, التي تتيح لها الحصول على موطئ قدم
في هاييتي, والاستفادة من فرص السيطرة العسكرية الأميركية على الجزيرة.
وتقول المعلومات بأن كارثة زلزال هاييتي سوف تتيح للشركات ودوائر الأعمال
الإسرائيلية توفير المزيد من فرص العمل المريحة للإسرائيليين, إضافة إلى
الحصول على أرباح سريعة قد لا تقع عن 20 او 30 مليار دولار في فترة وجيزة,
وأضافت المعلومات, بان المنشآت والشركات الإسرائيلية لن تكون وحدها في
الساحة, وإنما سوف تكون إلى جانبها شركات ومنشآت جماعات المافيا
الروسية-الإسرائيلية المتمركزة في مناطق شرق أوروبا, وشركات ومنشآت جماعات
اللوبي الإسرائيلي المتمركزة في العديد من أنحاء العالم, وعلى وجه الخصوص
أمريكا الجنوبية, وكندا وغرب أوروبا واستراليا.
لاحظ الخبراء أن واشنطن قد ظلت تسعى لفترة طويلة من أجل السيطرة على جزيرة
هاييتي, وكشفت بعض التقارير بأن خبراء رصد الزلازل قد سبق وأعدوا تقريرا
علميا سريا حذروا فيه الإدارة الأميركية من حدوث زلزال هاييتي, وكان ذلك
في منتصف عام 2008م, ولكن إدارة بوش وجماعة المحافظين الجدد آثرت التكتم
على التقرير, وبدلا من بذل الجهود الوقائية لجهة درء أضرار كارثة هاييتي
قبل وقوع الزلزال, فقد سعت هذه الدوائر إلى إعداد خطة تتيح لأميركا
استغلال كارثة الزلزال بما يتيح لواشنطن فرض سيطرتها النهائية على الجزيرة
لحظة وقوع الزلزال, وتقول المعلومات والتسريبات بالآتي:
•درجت الإدارات المالية على تقديم المساعدات والمعونات الإنسانية وغيرها
إلى البلدان الأخرى عن طريق برنامج المعونة الأميركية التي تشرف على
تنفيذه وكالة المعونة الأميركية. وهذه المرة, لوحظ أن تقديم المعونات
والمساعدات لهاييتي يتم حصرا عن طريق البنتاغون "وزارة الدفاع الأميركية".
•يقوم خبراء المعونة الأميركية بعملية وضع التقديرات والإشراف على تقديم
المعونة, ولكن هذا الأمر هذه المرة تم وضعه تحت مسئولية القيادة العسكرية
الجنوبية الأميركية.
أدى السلوك الميداني الأميركي إزاء ملف أزمة زلزال هاييتي إلى نشوء وضع
شاذ وغريب في السياسة الأميركية, وهو تحويل مسئولية تقديم المعونات
والمساعدات متن عاتق المنظمات والوكالات المدنية-السياسية-الاقتصادية
الأميركية إلى عاتق الأجهزة العسكرية-الأمنية الأميركية, ويرى بعض الخبراء
بأن هذا السلوك سوف يترتب عليه المزيد من احتمالات عسكرة أنشطة المعونات
الأميركية.
تتضمن مسيرة التدخل الأميركي المعاصرة في جزيرة هاييتي المحطات الآتية:
•1991: تم تنفيذ انقلاب عسكري في جزيرة هاييتي تبين انه كان من وضع وتنفيذ
وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية وذلك للإطاحة بالنظام الديموقراطي
الذي كان محاربا لأميركا, وأعقب حدوث هذا الانقلاب نشاط متزايد لفرق الموت
التي نجحت آنذاك في اغتيال وتصفية الزعماء السياسيين وقادة الرأي المعادين
لأميركا.
•1994: تزايد المعارضة الشعبية للنظام الديكتاتوري العسكري الموالي
لأميركا, وبسبب المواجهات, حدثت حالة من الفوضى وعدم الاستقرار, وعندها
قامت واشنطن بإرسال 20 ألف جندي أميركي تحت ذريعة المساعدة في عمليات حفظ
الاستقرار وحماية المدنيين, ثم تبين أن هذه القوات قامت بدعم استمرار
وبقاء النظام الديكتاتوري الحاكم والموالي لأميركا, عن طريق انخراط الجنود
الأميركيين في قمع الاحتجاجات الشعبية.
•1999: قامت واشنطن بالاتفاق مع النظام الحاكم في الجزيرة, بإصدار قرار تم
بموجبه تسريح قوات الجيش في هاييتي, وتم استبدال الجيش بشركة داينكورب
للخدمات الأمنية والتي كانت بمثابة شركة واجهة تابعة لوكالة الاستخبارات
المركزية الأميركية.
وبالأمس أكدت المعلومات, بأن الرئيس أوباما, قد اتصل قبل بضعة أيام برئيس
هاييتي, وأكد الطرفان على ضرورة تقديم الولايات المتحدة الأميركية الدعم
لهاييتي, وقد تم التكتم على فحوى هذه المحادثة, ويرجح الخبراء بأن واشنطن
قد حددت لرئيس هاييتي بان المساعدات الأميركية والدولية سوف تشرف القوات
الأميركية على نقلها وخطوط إمدادها إلى الجزيرة, وحاليا كما هو واضح, فإن
موافقة رئيس هاييتي, على قبول المساعدات بهذه الطريقة, سوف تتيح لأميركا
نشر قواتها بشكل نهائي في الجزيرة, بما يؤدي إلى جعل التمركز العسكري
الأميركي يأخذ الأمر الواقع الذي لا مهرب منه, وما هو مثير للسخرية, وربما
للضحك الفاجع, أنه عندما نقلت شاشات التلفزة منظر الرئيس أوباما وهو يتوسط
كل من جورج بوش وبيل كلينتون, فقد سارعت سيدة أميركا الأولى السابقة لورا
بوش إلى التعبير أمام الصحفيين عن مدى ألمها وحزنها العميق إزاء ضحايا
الزلزال, ونفس الشيء بالنسبة لهيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الحالية
وسيدة أميركا الأولى السابقة والتي أعربت عن إحساسها بالصدمة من جراء أزمة
الزلزال, وبرغم صدمتها الشديدة, فقد قامت اليوم بزيارة هاييتي, لجهة
التفاهم مع رئيس هاييتي حول الكيفية التي سوف يقوم بها صندوق معونات
هاييتي الذي يشرف عليه زوجها بتقديم المساعدات!!.