بعد
ثامن كأس ويسكي, في رابع بار تقدّمي وجدته في أزقة المدينة القديمة, نظرت
حولي فرأيتها.. صبية جميلة, بنظارات صغيرة, و وجه يفضح ذكاءا أنثويا
خارقا.. و كانت تدخّن سيجارة بينما تحتسي قدحا من البيرة الشقراء كلون
خصلات شعرها المجعّد..
ترنّحت نحوها.. حتى رميت نفسي في كرسي بجانبها, و حاربت خدر لساني و أنا أحييها.. فردّت التحية و هي تنظر نحوي باستغراب..
فقلت لها:" هل تعلمين يا آنسة, أنني أستطيع اختصار كل كتب علم السياسة في قصة صغيرة؟"
فأجابتني و هي تنظر باهتمام من وجد تسلية قد تكون مضحكة: "و كيف؟ اشرح لي"
فقلت
لها:" تخيّلي أن الجو الآن بارد جدا, و لدينا فقط بطانية واحدة لا تكاد
تدفئ, و سأشرح لك كيف يمكن أن تعالج تيارات السياسة هذه المعضلة".
فأجابتني:" أعتقد أن الأولى سهلة.. نتغطى بها و نتخيّل أنها أسمك بكثير فندفأ... و هذه هي الطوباوية".
فحرّكت
يديّ بما يشبه التصفيق.. و تابعتُ:" و إذا أخذنا البطانية, و طرّزنا عليها
المطرقة و المنجل و صورة لينين.. و علّقناها على الجدار و بقينا بلا
غطاء.. نكون قد أصبحنا شيوعيين"
فضحكت
قليلا.. ثم قالت:" و إذا أخذت أنا البطانية, و طويتها من منتصفها لكي
يتضاعف سمكها و تغطيت بها و تركتك بلا غطاء.. فهذه تكون الرأسمالية"
فابتسمت
لها, و أجبتها:" نعم.. و تشترين لي علبة محارم لأتغطى بها, و لكن قبل أن
تعطيني إياها تأخدين نصف محتواها لتجففي به عرقك الناتج عن الحر الزائد
تحت البطانية المزدوجة".
و ضحكنا معا..
و
هنا قلت لها:" و لكن يوجد الحل الأمثل.. حلّي أنا... نتغطى بالبطانية
الموجودة, و نتعانق تحتها حتى الصباح.. و لتدفئ أجسادنا بالتصاقها
ببعضها.. و نكون قد بنينا الاشتراكية الديمقراطية ذات الوجه الإنساني"
و لم أكد أنهي جملتي حتى أحسست بصفعة جعلت أذني تطن و كأنها أجراس الكنيسة القريبة, مننا ..
و رأيتها تبتعد غاضبة, فأنهيت كأسي و أنا أتحسس خدي, و لسان حالي يقول: "لعنة الله على المحافظين الجدد..."