لعل الغرب من اكثر المناطق ممانعة لانتشار الاسلام على اراضيه منذ بزوغ الاسلام وحتى لحظتنا الراهنة، ومن دون شك فان هذه الممانعة ترتكز على عوامل لابد لنا كمسلمين من دراستها والعمل على تفتيتها بغية تسهيل انتشار طبيعي للاسلام في الغرب كما في الفضاءات الحضارية الاخرى، ومن ابرز هذه العوامل المركزية الغربية التي تحولت عند الغربيين الى عقيدة لاشعورية، يصعب اعادة النظر فيها.

المركزية الغربية. (1)
تشكل مقولة المركزية الحضارية للغرب لحظة مفارقة في تاريخ العلاقات بين الشعوب والامم والحضارات ، ذلك انه ، ولاول مرة في التاريخ البشر، يتوصل جزء من العالم الى فرض ذاته على جميع الاجزاء الاخرى ، قارات وحضارات وجماعات بشرية ، بوصفه " المركز " الذي تدور في فلكه جميع الاطراف . فاذا كان صحيحا ان كل جماعة بشرية عرفت نوعا من الازدهار الحضاري والقوة السياسية قد نظرت الى نفسها بما هي المركز الوحيد للحضارة والقوة ، الا ان ماهو صحيح اكثر هو واقع الاستحالة ، الذي يؤكده التاريخ اكثر من مرة ، في ان تكون جماعة ما مركزا للعالم كله ، او انها استطاعت ان تفرض هيمنتها على الكرة الارضية كلها .

مراحل التكوين
تفرد هذه الايديولوجيه وجهتها ، في بادي الامر ، نحو " الانا " الغربية ، حيث تكون القناعة الذاتية بالغلبة الحضارية ضرورة اولية اذ ينبغي على الغربيين ، قبل غيرهم ، ان يقبلوا واقع المركزية ، لكي يتمكنوا فيما بعد من اقناع الاخرين ـ الاطراف .
لقد لعب تقدم العلوم والتقنيات دورا هاما في ترسيخ واقع الغلبة الحضارية ، كما لعب دورا فاعلا في تقوية الشعور بعظمة " الانا " الغربية ذلك ان هذا التقدم لم يقدم للغرب وسائل سيطرة واستغلال فحسب ، وانما اسفر ايضا عن تبديل في اصولية الانسان الغربي نفسه . ففي مرحلة اولى ، اقنعته خطوات العلم والتقنية بان ارادته وعقلانيته كفيلتان بدحر اي وجود آخر يحد من اطلاقيتهما ومدى قدراتهما على ضبط حركة الواقع والطبيعة والزمن والبشر ، حتى وان كان هذا الاخر هو " الالوهية " .
وفي مرحلة ثانية ، وهي نتيجة طبيعة لمسار الاولى ، ينعكس الانسان الاعلى في حالة معرفية تغدو معها حضارته مقياسا واصلا لكل الاشياء وهدفا وغاية لكل انواع البشر والحضارات . ووفق هذا التسلسل ، تمسي ظواهر ونتائج العلم والتقنية وتتجسد في بنية معرفية قائمة على اساس اخضاع كل شيء لمقاييس التقدم العلمي ، الذي يصبح تبعا لذلك ميزانا لقياس الحالات الحضارية على المستوى العالمي .
وبالتالي ، فان ولادة الانوية الحضارية في الغرب ، كحالة معرفية ايديولوجية وممارسة تاريخية للسلطة ، تجد جذورها واستمراريتها في قدرة الرأسمالية على تأسيس علاقة عضوية بين ظاهرتين : ظاهرة التقدم الهائل في العلوم والتقنيات في الداخل ، وظاهرة الهيمنة والغلبة والنهب في الخارج . ان هاتين الظاهرتين ، وحدهما ومن خلال تضافر وتكامل نتائجهما وسريان وقائعهما في الوعي الغربي ، سوف تشكلان العصب الاساس للمسافة التي كان الغرب يحددها بين ذاته كحضارة ، وحضارات الاخرين ، وتولدان الرؤية الايديولوجية التي تجعل من المسافة ، بما هي واقع وحقيقة ، علامة من علامات التفوق الغربي ودونية الاخر . بحيث تنفي هذه الرؤية امكانية التفاعل ، وكذلك التعاون والمساعدة ، مع الاخر بهدف تقريب المسافة وتعميم ثمرات الحضارة الغربية .
بهذا المعنى ، تغدو المعرفة ، التي خرجت من رحم التطور العلمي والتقني وتغذت من فوائد السيطرة الغربية على العالم ، تشريعا وأدلجة لأنوية حضارية يستحيل ، وفق منطقها ، التوفيق بين الغرب والحضارات الاخرى ، وخاصة الشرقية منها، والإسلامية على سبيل الحصر . فالوحشية او البربرية صفة ملازمة للشرق ، والحضارة او المدنية صفة ملازمة للغرب، وكونها كذلك ، اي محكومة بالفوارق التقنية وبامتلاك الغرب لسر العلم ، فانها ستبقى على هذه الحال الى اجل غير معلوم، تبعا لذلك ، تصبح الأنوية لحظة تأكيد على ديمومة الانقسام النهائي والحاد بين حالات حضارية متمايزة " علميا " السيد ـ العبد ، الوحشية ـ المدنية ، الغرب ـ الشرق .. كما تصبح تعبيرا علميا عن قناعة الغرب بانموذجيته وبكونه مبتغى وغاية للانسانية جمعاء، بحيث يصبح طموح اللاغربيين ( مسلمين ، أفارقة ، هنود .. ) بمختلف تلاوينهم ، محصورا بوصولهم الى درجة من التقدم تحاكي تلك التي للغرب .(2)

جذور المركزية
من البديهي القول ـ كما يحلل الدكتور علي الشامي اصول المركزية الغربية ـ ان ايديولوجية كهذه لم تتأسس على فراغ ، فجذروها تمتد الى اثينا او روما ، بيد ان وقائعها التاريخية منذ ما قبل النهضة الاوروبية في مواجهة الإسلام ، وبفضل الاكتشافات البحرية في مواجهة المجتمعات الافريقية والهندو ـ اميركية ، واخيرا جنوب شرق اسيا وعموم القارة الهندية . وبالتالي ، فهذه الايديولوجية تترجم مرحلة تاريخية بكاملها حيث حقق الغرب سيطرته .
فمن ناحية اولى ، والى جانب الممارسات العسكرية ، ساهمت الامكانات المعرفية في تأمين السيطرة السياسية ـ الاقتصادية واستقرارها ، وذلك من خلال العمل على خلق وعي جماعي ينسجم مع منطق الغلبة ويحقق شروطها على جميع المستويات ، وفي المجال الحضاري تحديدا . بمعنى آخر ، عملت دوائر السيطرة والمؤسسات الاكاديمية والادارية التابعة لها ، على تأسيس رؤية معرفية ـ ايديولوجية ، يعود اليها الفضل الكبير في تغريب الذات وتشييد بنية ذهنية أخذت صيغة الاعتداد بالأنوية الحضارية ، التي اوكل اليها مهمة التوليد المستمر لغربيين يحملون لواء الحضارة ويدافعون عن مبادىء الغرب ومصلحته العليا في ان يبقى غالبا على الاخرين . وقد تطلب كل ذلك عملا متوازنا بين تأكيد " الانا" ونفي " الاخر " بشكل دائم ومتجدد في الاشكال والتعابير والممارسات . من اجل ذلك ، تطوعت العلوم الانسانية ، المتسلحة بالعلوم والتقنيات ، للقيام بمهمة تحويل الفوقية الغربية الى بداهة طبيعة وحتمية تاريخية.
ومن ناحية ثانية ، قدم العلم للغرب الاستعماري وسائل الغلبة ، غير انه في قرارة نفسه يدرك تماما ان غلبته هذه لم تتجاوز حدود العلم ومشتقاته وتوظيفاته . ولما كانت الغلبة تسعى الى الشمولية ، فان العلم سوف يدعم العنف في مرحلة اولى ، لكي يؤسس ، في مرحلة لاحقة ، عقلانية العلاقة العضوية التي تربط فوقية " الانا" بدونية " الاخر" وذلك على المستوى الحضاري العام . وكان "ديكارت" قد اعلن قبل الاستعمار الحديث بقرون انه يويد علما يجعل الغربيبن "سادة الطبيعة و مالكيها", و بعد عقدين من الزمن, قامت الغلبة الغربية على قاعدة استعمال محدد للعلم الديكارتي و غاياته من الغلبة تجسيدا محددا "من الاستعمال العسكري والعدواني لتقنيات الاسلحة"(3)
من ناحية ثالثة ، تصل هذه الانوية في تبريرها لذاتها ، الى درجة يبدومعها التاريخ مسدود الافاق ، ومختصر بحقيقة واحدة هي الغرب . فاذا استطاعت غلبة هذا الاخير من ان تستعمل العلم كأداة لنفي قيمة الحضارات الاخرى ، وترتكز عليه رؤيتها التطورية للتاريخ ، فان المسألة تصبح اكثر حدة وتعقيدا ، عندما تصل الى الحديث عن استحالة بلوغ اية حضارة اخرى المستوى الذي بلغته حضارة الغرب ، كل العالم يدور حول الغرب ولا يصل اليه ، اما لان الغرب صعب المنال ، واما لان العالم عاجز عن ذلك وفي الحالتين لاتغدو المسألة اكثر من ايديولوجية خوف الغرب من التماثل الذي لن يلغيه كحقيقة ـ اي كغرب ـ بل سيلغي غلبته التي يعتبرها عصب وجوده .
ثم ان مؤدلجي الانوية الحضارية ـ حسب الدكتور الشامي ـ لن يلبثوا ان يقوموا باعطاء تبريرات من نوع اخر :المفارقة الطبيعية ، وها هو الرحالة "شاردان" ، العائد من رحلة في زوايا اسيا في القرن السابع عشر ، يعلن في اوروبا خلاصة رحلته : " اسيا هي الجمود . اوروبا بالعكس ، تغير دائم "(4)
انطلاقا من هذه المعادلة ( فوقية الغربي ـ دونية الشرقي) تتشكل الانوية الحضارية والوعي الجماعي في الغرب ، وتتحول ممارسة " الانا " الفردية الى ايقاع منتظم ومنسجم مع اداء جماعي لايحتمل ادنى نشاز .(5)

لغة العنف في المركزية الغربية
عمليا ، منذ وصول نابليون الى مصر في اواخر القرن الثامن عشر ، واحتلال فرنسا الجزائر وسيطرة بريطانيا على معظم الجزء الهندي في القارة الاسيوية ، وصولا الى الحرب العالمية الاولى ، كانت القوة غالبة رغم انبهار المغلوبين بعظمة الحضارة الحديثة ، وقبل ذلك بقرون ، منذ الهجرة الجماعية الى اميركا ، كان الغرب الناهض قد قرر ان يتكلم مع الاخرين بلغة العنف ذلك العنف الذي قضى على ملايين من البشر ، وجعل " الثروات العظمى للمشاريع الراسمالية تولد في الوحل وفي الدم " ، كما يقول " غارودي "(6)اوذاك العنف " العالمي " الذي فتح للنهضة الاوروبية مجالات واسعة من اجل التقدم العلمي والمادي وتكديس الثروات .
وبحلول القرن الثاني عشر كان الاوروبيون يحولون الحرب الدينية الى مصدر للربح والاستعمار اثناء الحروب الصليبية . لقد كانت هذه هي القنوات "المحترمة" التي وجدتها الثقافة العدوانية الاوربية ، فهنا اصبحت ثقافة المحاربين "مقدسة" ومربحة ومحفوفة بالمغامرات ، وقد مهدت ثقافات المحاربين بين الفايكنج والصليبيين الطريق الخاص بنا الذي افضى بنا الى حروبنا من اجل " ادخال المدنية" والى العدوانية التي تنسم بها ثقاقتنا "، كما يقول "رايلي"(8)(7)
المركزية الغربية استثناء
وهكذا تشترك كافة الوقائع التاريخية ـ العلمية ، التقنية ، المادية، السياسية والفكرية ـفي ملئ الذاكرة الثقافية للغرب ـ عبر القرون ـ بفكرة انه يتمتع بقيمة استثنائية.(8) وفي خلق الفرد الغربي الذي يندفع نحو العالم بنفس المنطق والرؤية
وفي هذا السياق ، تأخذ الايديولوجية الانوية وجها عرقيا ، سوف يؤسس بدوره مختلف المسوغات الايديولوجية للممارسة العنصرية . وبهذا المعنى ، تتكامل رؤية "الذات" مع "الاخر"، بحيث يكون تغريب الغرب تأصيلا للانوية والمركزية العرقية . وذلك ان تغريب الغرب لذاته كان قد أسس الشرط الايديولوجي الحاسم للبدء في مرحلة تغريب الاخرين . وبالتالي فان الايديولوجية التي قدمت الغربي كانموذج عالمي كانت قد ساهمت في تشكيل مفهوم المركزية ـ العرقية واعطت لظاهرة الانوية مرتكزاتها النظرية والعملية ، وسواء خرجت العنصرية من رحم هذه الايديولوجية ام لا ، فان العلاقة بينهما كانت قد تحددت في سياق تحول المركزية ـ العرقية الى ممارسة تاريخية منذ بداية المرحلة الاستعمارية .(9)

الغرب والانسانية
لقد رسخت المركزية اسطورة كون الغرب ممثلا للانسانية جمعاء ، واوروبا مركز الثقل فيه . تاريخ العالم هو تاريخ الغرب ، وتاريخ الانسانية هو تاريخ الغرب ، وتاريخ الفلسفة هو تاريخ الفلسفة الغربية.في الغرب يصب كل شيء .وما قبله وهو الشرق بدايات التاريخ البشري كما يقول هردر وكانط ، وما بعده عصر الفضاء الذي يمتلكه الغرب . عصور الغرب هو عصور الكل . العصر الوسيط كذلك لكل الشعوب ، والعصر الحديث هو كذلك لكل العالم .(10)
واصبحت المركزية ثقافة الغرب بعد ان انتشر خارج حدوده أبان عنفوانه الاستعماري من خلال سيطرته على أجهزة الاعلام وهيمنته على وكالات الانباء ، ودور النشر الكبرى، ومراكز الابحاث العلمية ، والاستخبارات العامة .وتحول الى اسطورة الثقافة العالمية التي يتوحد بها الغرب ، ويجعلها مرادفة لثقافته، وهي الثقافة التي على كل شعب ان يتبناها حتى ينتقل من التقليد الى الحداثة . فالفن فنه ، والثقافة ثقافته ، والعلم علومه ، والحياة اساليبه ، والعمارة طرازه ، والعمران نمطه ، والحقيقة رؤيته . مع ان الثقافات بطبيعتها متنوعة ، ولا توجد ثقافة ام ، وثقافات ابناء وبنات . ومن هنا اتت عمليات المثاقفة التي تحدث عنها علماء الانثروبولوجيا الثقافية والتي يوهم الغرب بانها تعني الحوار الثقافي او التبادل الثقافي او التثقيف وهي في الحقيقة تعني القضاء على الثقافات المحلية من اجل انتشار الثقافة الغربية خارج حدودها ، وهيمنتها على غيرها ، واعتبار الغرب النمط الاوحد لكل حضاري ، ولا نمط سواه، وعلى كل الشعوب تقليده ، والسير على منواله . وقد ادى ذلك الى الغاء خصوصيات الشعوب وتجاربها المستقلة ، واحتكار الغرب وحده حق ابداع التجارب الجديدة والانماط الاخرى للتقدم.(11)
لقد فرضت المركزية الغربية مفاهيم .ارادت لها ان تكون عالمية الاصطلاح بايحاء غربي، فمثلا من ضمن هذه المفاهيم " الكشوف الجغرافية " او " الاستكشافات الجغرافية " وهو مفهوم يدل على النظرة الذاتية الخالصة التي تنم عن عنصرية دفينة وكأن العالم يوجد عندما يعرفه الوعي الاوروبي ، ولا يوجد عندما يجهله . فالمعرفة تساوي الوجود . في حين انه من منظور امريكا وافريقيا ، البلاد المستكشفة موجودة سواء عرفها الوعي الاوروبي ام لم يعرفها . كما ان الاوروبيين بالنسبة للهنود الحمر وسكان افريقيا لم يكونوا موجودين قبل حلولهم سواحل امريكا وافريقيا طبقا للمنطق الاوروبي للاستكشافات الجغرافية .
ومن المفاهيم المستقرة والتي تكشف عن المركزية الاوربية مفهوم " العالمية " كما هو الحال في " الحرب العالمية الاولى " او " الحرب العالمية الثانية " وهي حروب اوروبية صرفة نشأت بين القوى الاوروبية بسبب اطماعها فيما بينها واطماعها في غيرها ـ على حد تعبير الدكتور حسن حنفي.(12)الا ان الاوربي كان ولايزال ينسى مبادئه الداخلية وقيمة المعلنة حين يعبر البحر او المحيط ، لذا ليس من المستغرب الا يعني مفهوم " المجتمع الدولي " لديه غير " مجتمع الدول الغربية " لهذا فتطبيقات مبادىء ومفاهيم كالحرية والمساواة وحق تقرير المصير ، وكذلك تطبيقات النصوص المتعلقة بحقوق الانسان او المنظمة للعلاقات الدولية لاتخضع لمعيار احادية القيم ولا لمعيار احادية التطبيق بل تزدوج المعايير وتتباين التكييفات بحسب شخصية المحتكم فليس العرب كالاسرائيليين ولا مسلمي البوسنة كالصرب ولاشعوب القوقاز كشعوب البلطيق.(34)(13)
ومن نتائج هذه المركزية الاوروبية"تحقيب" التاريخ في ثلاثة عصور وجعل اوروبا مواطنها:العصور القديمة(اليونان والرومان)،والعصور الوسطى(المسيحي واليهودي والاسلامي)،والعصور الحديثة،الاول يمتد من هوميروس على اقصى تقدير او من طاليس ابي الفلسفة اليونانية حتى ظهور المسيح،والثاني من ظهور المسيح حتى عصر النهضة مع تخوم عصر الاحياء(القرن الرابع عشر). والثالث من العصور الحديثة ابتداء من القرن السابع عشر حتى القرن العشرين .(35)(14)

نقد المركزية غربيا
بقي لابد من القول مع علي القريشي:لايمكننا ان نغفل ان ثمة عددا من المفكرين والكتاب الغربيين قد نقد ظاهرة التمركز في العقل الاوروبي فهاجم ارندولد تويبني ـ مثلا ـ منذ العام 1934، النزعة الاستعلائية لدى المؤرخين والمفكرين الاوروبيين الذين يقومون حضارات الشعوب غير الاوروبية ومجتمعاتها من منظورهم الخاص باعتبارهم اهل الكمال والهيمنة وكذلك فعل كارل مانهايم في العام 1936 حين اعتبر ان كل مجتمع له ثقافته الخاصة وينبغي عدم تقويم انجازات الاخرين وفقا لمعيار الثقافة الخاصة اما روجيه غارودي فقد دعا الى "حوار الحضارات " واعتبر انه من الخطأ ان يعتقد الغرب ان حضارته هي الوحيدة ، وهي التي ينبغي ان تسود ، فثمة حضارات في الشرق لها اهميتها الكبرى ، كالحضارة الإسلامية والحضارة الهندية ، التي لاغنى للحضارة الغربية نفسها عن الحوار معها والاخذ عنها . (36)(15)
الاسلام منتوج شرقي
في ظل الانوية الحضارية الغربية ليس الإسلام اكثر من منتوج شرقي،وطالما بقي الشرق احد الاطراف التي لايمكن لها بحال ان تدرك المركز،فان اي منتوج من منتوجاته لايمكن له ان يعطي المركز اكثر مما عنده،بل لن يكون هذا المنتج الاصورة لتخلف الاطراف ،التي يفترض فيها ان تقتفي اثر الغرب لسلك دروب التحضر والرقي،فلارقي بعد رقي الغرب ولاحضارة الا حضارته.فالبشرية القت بخلاصة تقدمها في الغرب وبنتاج غربي بحت يرتحل مباشرة من العصر الحديث الى حيث العصر الروماني المتميز بالتقنين الدقيق ومن ثم العصر اليوناني منتج الفلسفة العميقة،فالمسيحية الغربية الصنع...هكذا دون ان يكون لاي حضارة اخرى في تاريخ البشرية العريض اي دور في تفتق هذه الحضارة،فلا عقل الا في الغرب ولاقدرة على التفلسف والتفكر والتعقل الالدى اتباعه.
يتحول الإسلام لدى المركزية الغربية،الى مادة دراسة من قبل اساتذة عمالقة،لا باعتباره دينا سماويا انزل وحيا على النبي محمد (ص) وما لدى الوحي يتجاوز ما لدى العقل لانه من رب عليم حكيم عظيم،بل هو ليس باكثر من جزءمن ثقافة اقوام يجب ان بخضعوا للدراسة والبحث في سبيل تطويعهم وسوقهم في خدمة الحضارة المركز في العالم.وهذه مهمة لابد للاستشراق كعلم من تحملها خدمة للسلطة التي حولت العلم وسيلة للهيمة على الكون وساكنيه من البشر،لتبقى الخضارة الغربية في المقدمة دائما.
وطالما كان الدين اساسا غير مرغوب فيه في الغرب الذي انتصر فيه العلم على الدين والفلسفة في معارك تاريخية دارت الحرب فيها بين هذه الانظمة المعرفية سجالا،خلف فيها اصحاب الدين – قساوسة العصور الوسطى - صورا عميقة في التخلف والرجعية ومصادرة حرية الانسان في التفكير والاختيار،فان اي دين ـ والإسلام خاصة ـ لن يكون له مستقبل في هذه الرقعة من المعمورة.
وطلما هيمنت عقلية المركزية الغربية على مؤسسات الغرب العلمية اوالسياسيةاو الشعبية اوحتى على الافراد فلايمكن توقع مستقبل للاسلام في الغرب الافي قنوات الممانعة الداخلية واعتبار الإسلام العدو الاول على صعيد النظرة للخارج، الذي طالما كان بالنسبة للغرب العدو الذي يستطيع من خلاله تنفيس ازماته،اوسلب ثرواته .وبالنسبة للاسلام فانه جاهز في العقلية الغربية كعدو تاريخي،كما غذت ذلك الكنيسة منذ اللحظات الاولى في الاحتكاك الإسلامي الغربي،واستثمر الاعلام المعاصر هذه الخلفية العدائية اقصى استثمار.
اذن في ظل المركزية الغربية سيواجه الإسلام ممانعة كبيرة تحول دون توسعه وانتشاره في الغرب،وستتطور هذه الممانعة لتتحول الى مستقبل صدامي بين الغرب والإسلام في ظل نظرية صراع الحضارات وجعل الإسلام العدو الجديد للغرب على الصعيد الخارجي.