يكونون مغمورين فيصبحون تحت الأضواء. هكذا لفتت المغنية السورية شمس اسماعيل وشريكها سعيد ميرخان، مساء أول من أمس في الحفلة التي اقامتها لهما احتفالية دمشق الثقافية في مجمع دمّر الثقافي، الحاضرين الذين لا يعرفون حتى اسمهما. فالمغنية وشريكها كاتب كلمات معظم الاغاني وملحنها وعازف البيانو، كلاهما لا يأتيان من كنف الاحتراف وتقاليده. انها تجربتهما الشخصية الاولى، أمام الجمهور.

شمس كانت معروفة على نطاق محدود، كمؤدية. وقفت على المسرح للمرة الأولى، في الذكرى الثانية لرحيل المسرحي السوري سعد الله ونوس. ففتح القدر ذراعيه لصوتها واستقبلتها مسارح في سورية والاردن ومصر، مؤدية أغاني فيروز والشيخ إمام وسيد درويش وآخرين، فضلاً عن أغاني الفولكلور. مسيرتها غير القصيرة وسمها الأداء، حتى ليلة الأول من أمس.

ومع ان شمس وسعيد لم يتدرجا في عالم الموسيقى، انطلاقاً من التعليم الاكاديمي الكلاسيكي، بل بمثابرة ومراكمة شخصية، فإن ظهورهما الاول جاء متميزاً عن انتاج موجة الموسيقى الشبابية السورية. الاغنيات التي كتبها سعيد ولحّنها، جاء بعضها بجودة مفاجئة، ليس قياساً بعمر التجربة وفتوتها، ولا حتى بالموجة السورية الشابة، بل بما يقدم على الساحة العربية في الإجمال.

فِطنة الملحن في المضي الى فرادة وخصوصية ما يقدمه، بدت علامة بارزة في ألحان الشاب الذي كتب كلمات مرهفة وجميلة، وفي الوقت ذاته اصطاد القصص الصغيرة التي تبرق في اليوميات العادية، وحوّلها الى أغنية ذات معنى. أغنية مثل «شو قصدك بالحكي» يصعب تخيل تمخضها عن تجربة اولى، ما لم يمتلك كاتبها وملحنها المخيلة والحذاقة، اللتين تميزان الملحنين الناجحين. اغنية سمعها الجمهور للمرة الأولى، ويسمع بمن لحنها ويؤديها للمرة الأولى ربما، لكنه مع ذلك تلقف اللحن ومضى معه. اغنية ممتعة، خصوصاً مع التوزيع الممتاز الذي قام به الملحن الشاب باسل داوود، والذي وزع كل اغاني الحفلة، مع ترك القيادة في اللحن للإيقاع النقري، المقطّع والمواكب للكلام.

ومن الاغاني المميزة أيضاً «شو بدي بماضيك»، التي جاءت مرحة بأداء ممتاز من شمس يوحي بعض الشيء بأسلوب الاذربيجانية عزيزة مصطفى زادة، وبكلمات مصاغة ببراعة. ليس سهلاً على الاطلاق الخروج من الكلام العادي بقصة مختزلة ومعبّرة ومرحة، عن علاقة الماضي بنا، وإن كان الآخرون يمكن ان يتسامحوا معه، وان ينأوا به عن العلاقة الحاضرة معهم. هذه الجودة في صوغ كلمات الاغنية، نصادفها أيضاً في أغنية «بيتك بيغم القلب».

وما يحسب لكاتب كلمات الاغاني انه لم يسقط في غواية اللعب على الالفاظ، واستخدام التحويرات العامية لكلمة واحدة لتعطي أكثر من معنى. غواية صارت مستهلكة، بحكم الاستسهال والتقليد. لكنها لعبة «تورّطت» فيها بعض الاغاني التي قدمت في الامسية، وأبرزها «لغتك صعبة عليّ» التي كتبها رسام الكاريكاتور السوري سعد حاجو، من دون ان تنجح في تخليص المعنى من السخرية أو العكس، إضافة الى صعوبة تكوينها لأغنية. هذه اللعبة تنجح في نكتة، أو «نهفة»، لكنها لم تفد الاغنية، على الاقل هنا.

وعلى ذكر مشاركة حاجو، فهي تأتي كما يذكر ميرخان، على خلفية مشروع سابق كان يريده حاجو برنامجاً اذاعياً تأتي الاغاني في سياقه. كان ذلك منذ خمس سنوات، لكن المشروع انطفأ وبقي منه بصيص الاغنية.

أما ما شاب الامسية، فكان سوء اجهزة الصوت، التي اثرت كثيراً في توصيل اللحن وحتى الكلمة. ومع هذا الاثر الواضح، تبدو نجاة بعض الاغاني، لتستطيبها أذن الجمهور، انجازاً بحد ذاته. وهو انجاز يدل على جودة وتميز بعض ما قدّم. والى جانب الاغاني الجديدة، قدمت شمس بعض اغاني فيروز، وأدت من الفولوكلور «يمّا مواويل الهوى». أداء شمس يثبت تمكنها من خامتها الصوتية الجيدة، التي يميزها احساس عميق بالكلمة التي تغنيها، وهذا الاحساس اوصل الى تنغيمها في اغاني فيروز، على كلمات او مقاطع، في شكل مغاير لما جاء في اللحن الاصلي للأغنية.

اما غناء شمس للجديد، فبدا مميزاً في مواضع ومتعثراً في بعض الاغاني، والحكم عليه سيكون إجحافاً في ظل تلك الظروف التقنية السيّئة. ظروف تتحمل احتفالية دمشق الثقافية المسؤولية عنها، مع ضرورة وجود دعم أكبر، وحتى إشراف، اذا اخذنا في الاعتبار ان تجربة اولى تخجل من ان تبدو متطلبة. فالاغاني الجديدة مكتوبة لحنياً لموسيقى حديثة، وموزعة بدقة نظراً لأهمية الكلام الذي يحاكي اجواء غناء الجاز، ولذلك لا يمكن التنازل عن المسألة التقنية، او اعتبارها هامشاً.

ويمكن الانتظار قليلاً، للاستماع الى الاسطوانة الشخصية الاولى التي ستصدر لشمس اسماعيل، وستضم بعض اغاني الحفلة، اضـــافة الـــى اخـــرى كتبها ولحنها باسل داوود، وعندهـا يمكن الحكم في شكل ادق. لكن حتـــى ذلك الوقــت هناك ما يبشّر بنقلة نوعية، في موجة الموسيقى الشابة، على رغم كل ما سيحكى عن تأثر هذه الخطوة بزياد الرحباني أو بغيره. ومع أن ذلك ليس عيباً ولا انتقاصاً، لكن ما فعله سعيد ميرخان متميّز لمن يريد الإصغاء.


<h1>قدّما حفلة غنائية في دمشق... الثنائي سعيد ميرخان وشمس اسماعيل يرفعان مرتبة الموسيقى الشبابية السورية </h1>
<h4>دمشق - وسيم إبراهيم الحياة - 08/01/09//</h4>
<p>
<p>يكونون مغمورين فيصبحون تحت الأضواء. هكذا لفتت المغنية السورية شمس اسماعيل وشريكها سعيد ميرخان، مساء أول من أمس في الحفلة التي اقامتها لهما احتفالية دمشق الثقافية في مجمع دمّر الثقافي، الحاضرين الذين لا يعرفون حتى اسمهما. فالمغنية وشريكها كاتب كلمات معظم الاغاني وملحنها وعازف البيانو، كلاهما لا يأتيان من كنف الاحتراف وتقاليده. انها تجربتهما الشخصية الاولى، أمام الجمهور.</p>
<p>شمس كانت معروفة على نطاق محدود، كمؤدية. وقفت على المسرح للمرة الأولى، في الذكرى الثانية لرحيل المسرحي السوري سعد الله ونوس. ففتح القدر ذراعيه لصوتها واستقبلتها مسارح في سورية والاردن ومصر، مؤدية أغاني فيروز والشيخ إمام وسيد درويش وآخرين، فضلاً عن أغاني الفولكلور. مسيرتها غير القصيرة وسمها الأداء، حتى ليلة الأول من أمس.</p>
<p>ومع ان شمس وسعيد لم يتدرجا في عالم الموسيقى، انطلاقاً من التعليم الاكاديمي الكلاسيكي، بل بمثابرة ومراكمة شخصية، فإن ظهورهما الاول جاء متميزاً عن انتاج موجة الموسيقى الشبابية السورية. الاغنيات التي كتبها سعيد ولحّنها، جاء بعضها بجودة مفاجئة، ليس قياساً بعمر التجربة وفتوتها، ولا حتى بالموجة السورية الشابة، بل بما يقدم على الساحة العربية في الإجمال.</p>
<p>فِطنة الملحن في المضي الى فرادة وخصوصية ما يقدمه، بدت علامة بارزة في ألحان الشاب الذي كتب كلمات مرهفة وجميلة، وفي الوقت ذاته اصطاد القصص الصغيرة التي تبرق في اليوميات العادية، وحوّلها الى أغنية ذات معنى. أغنية مثل «شو قصدك بالحكي» يصعب تخيل تمخضها عن تجربة اولى، ما لم يمتلك كاتبها وملحنها المخيلة والحذاقة، اللتين تميزان الملحنين الناجحين. اغنية سمعها الجمهور للمرة الأولى، ويسمع بمن لحنها ويؤديها للمرة الأولى ربما، لكنه مع ذلك تلقف اللحن ومضى معه. اغنية ممتعة، خصوصاً مع التوزيع الممتاز الذي قام به الملحن الشاب باسل داوود، والذي وزع كل اغاني الحفلة، مع ترك القيادة في اللحن للإيقاع النقري، المقطّع والمواكب للكلام.</p>
<p>ومن الاغاني المميزة أيضاً «شو بدي بماضيك»، التي جاءت مرحة بأداء ممتاز من شمس يوحي بعض الشيء بأسلوب الاذربيجانية عزيزة مصطفى زادة، وبكلمات مصاغة ببراعة. ليس سهلاً على الاطلاق الخروج من الكلام العادي بقصة مختزلة ومعبّرة ومرحة، عن علاقة الماضي بنا، وإن كان الآخرون يمكن ان يتسامحوا معه، وان ينأوا به عن العلاقة الحاضرة معهم. هذه الجودة في صوغ كلمات الاغنية، نصادفها أيضاً في أغنية «بيتك بيغم القلب».</p>
<p>وما يحسب لكاتب كلمات الاغاني انه لم يسقط في غواية اللعب على الالفاظ، واستخدام التحويرات العامية لكلمة واحدة لتعطي أكثر من معنى. غواية صارت مستهلكة، بحكم الاستسهال والتقليد. لكنها لعبة «تورّطت» فيها بعض الاغاني التي قدمت في الامسية، وأبرزها «لغتك صعبة عليّ» التي كتبها رسام الكاريكاتور السوري سعد حاجو، من دون ان تنجح في تخليص المعنى من السخرية أو العكس، إضافة الى صعوبة تكوينها لأغنية. هذه اللعبة تنجح في نكتة، أو «نهفة»، لكنها لم تفد الاغنية، على الاقل هنا.</p>
<p>وعلى ذكر مشاركة حاجو، فهي تأتي كما يذكر ميرخان، على خلفية مشروع سابق كان يريده حاجو برنامجاً اذاعياً تأتي الاغاني في سياقه. كان ذلك منذ خمس سنوات، لكن المشروع انطفأ وبقي منه بصيص الاغنية.</p>
<p>أما ما شاب الامسية، فكان سوء اجهزة الصوت، التي اثرت كثيراً في توصيل اللحن وحتى الكلمة. ومع هذا الاثر الواضح، تبدو نجاة بعض الاغاني، لتستطيبها أذن الجمهور، انجازاً بحد ذاته. وهو انجاز يدل على جودة وتميز بعض ما قدّم. والى جانب الاغاني الجديدة، قدمت شمس بعض اغاني فيروز، وأدت من الفولوكلور «يمّا مواويل الهوى». أداء شمس يثبت تمكنها من خامتها الصوتية الجيدة، التي يميزها احساس عميق بالكلمة التي تغنيها، وهذا الاحساس اوصل الى تنغيمها في اغاني فيروز، على كلمات او مقاطع، في شكل مغاير لما جاء في اللحن الاصلي للأغنية.</p>
<p>اما غناء شمس للجديد، فبدا مميزاً في مواضع ومتعثراً في بعض الاغاني، والحكم عليه سيكون إجحافاً في ظل تلك الظروف التقنية السيّئة. ظروف تتحمل احتفالية دمشق الثقافية المسؤولية عنها، مع ضرورة وجود دعم أكبر، وحتى إشراف، اذا اخذنا في الاعتبار ان تجربة اولى تخجل من ان تبدو متطلبة. فالاغاني الجديدة مكتوبة لحنياً لموسيقى حديثة، وموزعة بدقة نظراً لأهمية الكلام الذي يحاكي اجواء غناء الجاز، ولذلك لا يمكن التنازل عن المسألة التقنية، او اعتبارها هامشاً.</p>
<p>ويمكن الانتظار قليلاً، للاستماع الى الاسطوانة الشخصية الاولى التي ستصدر لشمس اسماعيل، وستضم بعض اغاني الحفلة، اضـــافة الـــى اخـــرى كتبها ولحنها باسل داوود، وعندهـا يمكن الحكم في شكل ادق. لكن حتـــى ذلك الوقــت هناك ما يبشّر بنقلة نوعية، في موجة الموسيقى الشابة، على رغم كل ما سيحكى عن تأثر هذه الخطوة بزياد الرحباني أو بغيره. ومع أن ذلك ليس عيباً ولا انتقاصاً، لكن ما فعله سعيد ميرخان متميّز لمن يريد الإصغاء.</p>
</p>