من ملفات (معجزة أكتوبر).... (خطة الخداع الإستراتيجي إبداع عقول مصرية)

ياله من شعب غريب حقا!

قد يأخذ مراحل طويلة في السعي من أعدائه، لتدميره و سحق أسسه كمجتمع و
كدولة و كأمه، ولكن ياخذ مراحل سريعة و مذهلة بعد انهياره ليعود من جديد
بقوة، و ثبات، حقا أنه شعب من أغرب و أندر و أعظم شعوب العالم !

بعد هزيمة يونيو 67 و النكسة التي أحلت على البلاد و ماتبعها من أثار و
سلبيات، بدأت القيادة السياسية في إعادة هيكلة الجيش من جديد و إرساء
قواعد الإنضباط العسكري من داخله مرة أخرى، وبث روح العزيمة و الأمل في
إستعادة مافقد من الأرض.

و بدأت القيادة العسكرية المصرية بقيادة المشير (محمد فوزي) عهد الإستنزاف
و إستمر هذا العهد حتى مبادرة روجرز التي أطلقها الأمريكيون لوقف إطلاق
النار بشكل مؤقت من أجل محاولة العودة لطاولة المفاوضات و خاصة و أن
إسرائيل تكبدت الكثير من الخسائر العنيفة في هذة الفترة بسبب العمليات
الإنتحارية المستمرة من جانب فرق الصاعقة المصرية، ولذلك لجأ حلفاء
إسرائيل إلى هذة المبادرة المسرحية الشكل و المضمون من أجل إعطاء إسرائيل
فرصة لإلتقاط أنفاسها من الخسائر القوية التي لحقت بقواتها في سيناء.

و أيضا في مصر لم تنتهي المشاكل بدأء من مشاكل السياسة الداخلية في مصر، و
أيضا مشاكل السياسة الخارجية مع الأخوة العرب، و التي كادت تعصف بما تبقى
من هوية العرب خصوصا و بعد أخداث مذبحة (عمان) التي راح ضحيتها الكثير و
الكثير من الاجئين الفلسطينين، و كانت لها وقع عنيف على الأمة العربية.

المهم ان المشاكل لم تهدأ و لم تنتهي، و إن كانت قد هدأت قليلا بعد رحيل
عبد الناصر و حالة الحزن التي أحلت على الشعب المصري كله و العربي، و
أصابت العالم كله بذهول من رحيل رجل كان يشكل صداعا عنيفا في راس الغرب و
اليهود بذعامته القوية وسط العرب.

و عادت المشاكل من جديد بعد تولي الثعلب السياسي (أنور السادات) الحكم،
فمن الداخل مشاكل مع مراكز القوى، و من الخارج إدعاءات سياسية قوية على
ضعف مصر و عدم قدرتها على التحرك عسكريا و ضعف تسليح جيشها و ايضا تراجع
الإتحاد السوفيتي عن تسليح الجيش المصري بشكل ملحوظ و متخاذل.

ولكن (السادات) كان عليه أن يلعب دوره، و يحاول تصليح وإنقاذ مايمكن
إنقاذه، و بدأت العجلة تدور من جديد في صراع عنيف مع الزمن، بدأ بتصفية
مراكز القوى و تدمير المعتقلات و هدمها، ثم بإرساء الدستور الجمهوري و
بدأت مصر تشم نسيما قليلا لديموقراطية لم تشمه من سنوات كثيرة من
الديكتاتورية. ثم بدات أيضا عجلة الإصلاح العسكري و تم إستدعاء القادة
الأكفاء من جديد و عودتهم لمراكزهم المهم و المناسبة مثل المشير (أحمد
إسماعيل) و تعيينه زير للحربية بدلا من الفريق (محمد صادق) و أيضا تعيين
(سعد الدين الشاذلي) رئيسا للآركان، و بدأت اللعبة تدور في صمت من أجل
إسترداد الأرض الغالية و عودتها سالمة حرة من جديد.

و لكن الحق يقال بأن مرجلة الإعداد بدأت قبلها بسنوات في حرب الإستنزاف و
توقفت بسبب الظروف السابق ذكرها، و كان الفضل يعود فيها للفريق (محمد
فوزي) و من بعده قائد الجبهة في ذلك الوقت اللواء (أحمد إسماعيل)، و وضعت
خطة حقيقية لبداية عملية التحرير و لكن القدر لم يمهد لذلك خاصة و أن
الأمر يحتاج إلى إستعداد قوي و جيد و بشكل منظم و ليس بشكل عشوائي، و لذلك
لم يكتب للخطة النجاح أو الظهور للنور بسبب الظروف.

و مع تولي (احمد إسماعيل) قيادة الجيش من جديد، بدأ الإعداد يعود من جديد
و بشكل مختلف و متطور و الأهم و الأخطر بحماية أعظم خطة تموية و خداع عرفة
في التاريخ و هي خطة (الخداع الإستراتيجي) التي قامت بها القيادة السياسية
و العسكرية لوضع إسرائيل في حالة خداع كاملة متكاملة بدون أي فرصة للشك في
نوايا مصر الخبيئة.
و لقد وعى القادة السياسيين و العسكريين الدرس المؤلم من النكسة جيدا،
فلقد كانوا على يقين من ضوروة إيجاد خطة محكمة للتموية مثلما فعل العدو
الإسرائيلي للتموية و الخداع و بالتالي إستغلال أخطر عنصر من عناصر
المعركة و هو عنصر المفاجأة الذي إستغله العدو بشكل قوي، و لذلك كان لابد
من أجل إيجاد مفتاح النصر في معركة مع عدو قوي في عتادة و جيشه و دفاعاته
أن توجد خطة محكة لخداع و تمويه العدو.

و لقد بدأت اللعبة تأخذ شكل و مجرى قوي من البداية حيث كانت شعبية الرئيس
السادات بدات تتزحزح و تنخفض بعد ثورة التصحيح بسبب حالة السخط و
الامبالاه من عدم بدأ الحرب و تحرير الأرض ، و لكن الوضع لم يكن بهذة
الصورة بالطبع للقيادة السياسية التي كانت ترعى هذا الشعور بشدة من أجل
إحكام الخطة بشكل ذكي و أيضا بعد تولي المشير (احمد إسماعيل) القيادة
للجيش و عدم حدوث أي تطور أصبح الكل متأكدا أنه لايوجد حرب أو عمل عسكري
محتمل بل إن الوضع اكثر ميلا للسلم و الإستسلام لإسرائيل، و لكن مايرى
بالعين المجردة لا يظهر إلى بالعين المقربة، فمع بداية البدأ في الخطة
بدأت عمليات التموية و الخداع بإعلان حالة الطورايء بشكل مستمر و متواصل
بين القوات المتواجدة على الجبهة، مما أثار توتر الإسرائيلين بشكل مستمر و
أصبح يوجد رايين في الحكومة الإسرائيلية بإجهاد التحركات العسكرية بضربة
جوية محكمة و لكن في النهاية أعتقدوا بأنها تحركات سياسية من أجل تغطية و
تعمية الرأي العام في مصر و لكن الهدف كان بالطبع إرساء مبدأ التجاهل لدى
العدو عندما تحدث تحركات الجيش الحقيقية.

و على جانب آخر كان رجال الصمت (المخابرات المصرية)، يعملون بتفاهم و
تناغم بشكل رائع، و ينصبوا المزيد و المزيد من المصائد للجواسيس، أو
يكشفونهم و يسربوا لهم المعلومات المموهة بشكل طبيعي، لكي يبتلع العدو
الطعم بشراهة و لتصبح أكثر من 90% من المواقع العسكرية المصرية المعروفة
لدى إسرائيل مواقع وهمية و هيكلية، و ليس لها أي نشاط في حين ان المواقع
الحقيقية غير معروفة لإسرائيل على الإطلاق، مما أعطى المزيد و المزيد
للثقة للمخابرات الإسرائيلي في تقاريرها التي كانت تدعو إلى عدم القلق من
نظام (السادات) و إبقاء الوضع على ماهو عليه و تساهل القادة العسكريون في
إسرائيل و أصبحوا على ثقة حقيقية من عدم إستعداد مصر لأي حرب عسكرية
مقبلة، لدرجة وقوع (موشي ديان) في أكبر خطأ حينما قال أنه يستطيع معرفة
متى يحارب الجنود على الضفة حينما يرتدون الخوذ (وهنا إلتقط رجال الصمت
العبارة ، و حللوها جيدا و صدرت الأوامر لجميع الوحدات البرية بعدم إرتداء
الخوذ وقت الهجوم)، و أيضا العملاء و الأبطال داخل إسرائيل الذين كانوا
بمثابة كاميرات نقل حي لكل مايحدث من أسرار في قلب الكيان الصهيوني، و كان
الإسرائيلين يفخروا أنهم يمتلكون اذكى جهاز مخابرات في العالم في الوقت
الذي يقوم فيه رجال الصمت فعليا بتحطيم هذة الصورة، و أيضا بنجاح رجال
المخابرات المصرية بإيصال كم ضخم من معلومات مزيفة عبر عملاء مزدوجين، لكي
تتأكد الصورة بالكامل و تصبح إسرائيل فعلا مرتدية نظارة سوداء مظلمة لا
تكشف إلا جزة مبهم و كبير من الحقيقة.

أما القيادة السياسية التي لعبت دورا قويا في اللعبة، من التصريحات
السياسية التي تحمل طابع الإستعداد الفعلي للحرب، و لكن تضع للمواطن
المصري إحباط حقيقي، و تؤكد له أنه لايوجد أي نية للحرب أو التحرير، و في
نفس الوقت، تعطي فرصة للعسكريين بالعمل في سرية تامة، فلقد كانوا على كامل
تنسيق مع بقية الأطرف في اللعبة التي لعبت بذكاء شديد جدا من الجميع، ففي
الداخل اعلن الرئيس السادات أن الحرب قادمة قادمة بعد مرتين من التأجيل
حيث مرة يقول أن عام 72 هو عام الحسم وحينما مر العام بلا جديد جاء بعده و
أعلن بتغير في القيادة العسكرية بتعيين المشير (احمد إسماعيل) وزيرا
للحربية أن عام 73 هو عام الحسم ولكن دون فعل، و كان لابد من إعطاء و
إرساء قواعد ذكية للعبة بشكل جي، ليدرك أي مواطن أنه لا توجد أي نية لأي
عمل حربي، و بالتالي تكون جميع تقارير الإستطلاع للرأي العام التي تذهب
لإسرائيل، السرية و العلنية تؤكد إستحالة وقوع عمل عسكري وشيك أو وارد في
الفترة المقبلة، و أيضا في الخارج كان الرأي العام العالمي يرى أن
(السادات) زعيم يهوى المظاهر و لا يوحج لديه مبدأ، و ليس لديه إستعداد
للحرب بشتى الطرق، ليتأكد الكل ان الموقف بالفعل من الداخل ومن الخارج
مفكك و ليس له أي علامة لأي تصرف من قريب أو من بعيد.

كل هذا و عجلة الإستعداد تدور في صمت و في سكون، و الأسود تستعد كل يوم و
كل ساعة و كل دقيقة و كل ثانية للحرب المنتظرة لرد الكرامة المهدرة، و
رجال الصمت يترقبون و يتلاعبون بعدوهم في صمت و هدوء، و قادة الأسود
يخططون و يطورورن في خططهم و تكيكاتهم في صمت و سكون.

ومع قرب نهاية أغسطس 1973 كان قادة جيش خير أجناد الأرض قد توصلوا للرتوش
الأخيرة بالفعل لخطة الشرارة، و ميعاد تنفيذها، مع حلفائهم من الجبهة
السورية التي كانت تلعب نفس اللعبة بذكاء شديد أيضا، و لكن بشكل مختلف
قليلا، مع الحفاظ على نفس الوتيرة في الخداع، و مع الإتفاق على الخداع و
التموية، و تم الإتفاق على ميعاد الهجوم و ساعة تنفيذة و كان لميعاد
الهجوم قصة حقيقية تجسد العبقرية المصرية، حيث كان ليوم 6 أكتوبر أثر كبير
في نفوس اليهود لأنه يوم عيد (كيبور) و أغلب المصالح الحكومية في عطلة و
الجيش نصفه تقريبا في إجازة عند اليهود، و ايضا ساعة الهجوم، حيث كان من
الغير متوقع على الإطلاق أن يكون الهجوم في وضح النهار و على مرمى و مسمع
للعالم كله ولكن هنا أيضا لمحة للعبقرية المصرية التي توقع أصحابها من
قادة الأسود و رجال الصمت و القادة السياسيين أن الميعاد الأمثل هو الهجوم
في وقت الظهيرة حيث المفاجأة الغير متوقعة و الشلل المفاجيء لأفراد جيش
العدو لأنهم غير مدربين على التصدي لهجوم كاسح و شامل في عز ضوء النهار، و
أيضا ليس في يوم أجازة و إسترخاء

كما أن
تقارير المخابرات العسكرية الإسرائيلية أكدت أنه من الغير متوقع عند حدوث
هجوم سيكون في غير أي وقت من ألأوقات النهارية، فإما الهجوم مع بداية دخول
الليل، أو مع الساعات الأولى للفجر، فكانت المفأجاة المدوية بالهجوم في
هذا التوقيت، و الحكاية لها أصول ايضا، فعلى المستوى السياسي كان لابد من
تسريب الخبر بشكل غير مباشر لكي يرفضة الإسرائيليون فعلا و يتأكدوا من عدم
خوض مصر لأي حرب، (لأن أحد الملوك الخونة من العرب لا يستحق ذكر أسمه قام
بتسريب الخبر للإسرائيلين) أما في مصر فلقد تم تسريب المعلومة فعلا عن
طريق عميل مزدوج وهو الدكتور (أشرف مروان) الذي كان يعمل سكرتيرا لرئاسة
الجمهورية في ذلك الوقت، الذي سرب معلومة تقول أن الهجوم سيقع فعلا في
الساعة السادسة ظهرا ليشوشر بذلك على المعلومة التي قدمت لإسرائيل على طبق
من ذهب عبر الملك الخائن، و لكن هذة المرة كان لابد أن يبتلع الإسرائيلين
الطعم أيضا و الهدف الحقيقي هو وضع سلاح طيرانهم في وضع الإستعداد قبل
ميعاد الضربة لكي يكونوا أهداف سهلة لطيراننا عند هجومنا الحقيقي في
الساعة الثانية بعد الظهر على مطاراتهم في قلب (سيناء) و يخسر العدو بذلك
سلاح طيرانه قبل بداية المعركة بشكل سريع و مفاجئ.

و بلغت خطة الخداع زروتها في نهاية سبتمبر و أعلن عن زيارة قائد سلاج
الطيران المصري إلى الجماهيرية الليبية و أيضا أخرجت وزارة الحربية بيانا
نشرته الصحف بأسماء ظباط الجيش المسافرون لأداء عمرة رمضان، و أبلغ
السادات الأمين العام للأمم المتحدة عن نيته لزيارة مقر الأمم المتحدة في
نهاية اكتوبر، لتصبح صورة الحكومة المصرية صورة باهتة و سلبية ليست صورة
اي بلد تتأهب لحرب عسكرية.

و مع بداية العد التنازلي كان رجال الصمت يضعون الرتوش الأخيرة لعمليات
موسعة من اجل القبض على أقوى شبكات التجسس داخل مصر، لشل قدارت إسرائيل
التجسسية، و أيضا لإعطاء إسرائيل المزيذ و المزيد من الثقة في العملاء
المزدوجين العاملين لحساب المخابرات المصرية.

و كان في نفس الوقت، يقوم قادة الأسود في مصر بالتنسيق مع إخوانهم في
سوريا بوضع اللمسات الأخيرة و كانت بعد افرع الجيش المصري أتخذت مواقعها
بالفعل، مثل سلاح البحرية المصري الذي كان بالفعل أتخذ مواقعه، و سلاح
الدفاع الجوي و سلاج المدفعية الذي أتخذ مواقعه فعلا قبل الحرب بأيام
معدودة.

و ليلة المعركة قامت الشرطة العسكرية بأكبر و أسرع عملية تعبئة في التاريخ
العسكري على الإطلاق ففي خلال أقل من 12 ساعة كانت جميع ظباط و جنود الجيش
متواجدين في مراكز خدمتهم، قبل فجر اليوم الموعود، إلا بالطبع بعد الفرق
التي كان لها مهمات خاصة قبل المعركة خلف خطوط العدو.

كل هذا و إسرائيل في حالة تخبط و جهل، و إنشقاق أيضا بين أعضاء حكومتها، و
لكن كل هذا لم يدم طويلا حيث اليوم المشهود بالفعل و جائت اللحظة الحقيقية.

ووسط ذهول العالم كله، و تحت سمع و بصر أقمار التجسس الصناعية السوفيتية و
الأمريكية، و في وضح النهار، أنفتحت أبواب جحيم الغضب المصري الذي مكبوتا
لست سنوات كاملة، لتتحطم أسطورة الجيش الذي لا يقهر، و يعلن التاريح
إنتصار العقل المصري و ذكائه على كل عقول المتطورة في العالم، و يكتب
التاريخ بكل إعجاب ملحمة من أعظم الملاحم البطولية التي عرفت في التاريخ
الحديث !

لقد أنتصرت الإرادة و مع الذكاء و بمساعدته إنتصر العقل الذي حير كل من
تعاملوا معه، العقل المصري الذي كان و مازال وسيظل على مر العصور عقل يحير
كل العقول ليس بذكائه و عبقريته التي يشهد عليها التاريخ و لكن بسرعة
إستيعابه للدرس و للخطا و سرعة تطويرة لنفسه و لمن حوله .

لست أملك أمام من ضحوا بأرواحم و حياتهم ومن نحوا مهم سوا أن أبكي خجلا من نفسي أما ابطال مثلهم علموا العالم
(فن الدفاع عن الوطن)، لست أملك سوى أن أقول
تحية إلى الأبطال ..... إلى العظماء ...... إلى الشهداء ......

مواطن مصري

var tmp;
tmp = document.getElementById('linksflag');
if(tmp)
{
if(tmp.value == 0)
{
tmp.value = 1;

document.write('
'
+'انشىء صفحتك الخاصة على اصحاب مكتوب'+'');
}
else {
if(tmp.value == 1)
{
tmp.value = 2;
}
}
}

» من ملفات (معجزة أكتوبر).... (عملية عنق الزجاجة)
» ملفات مفتوحة لحركات الكتابة - ملفات فلاشية مفتوحه للكتابه
» الكفن المقدس وست قرون من الخداع
» ليلى غفران: ترجمت مخزون الألم إلى إبداع
» حرب السادس من أكتوبر (تشرين)