الخيل والبارود والفنون الشعبية المغربية في مهرجان

ملتقى «ألف فرس وفرس» في بلدة الفقيه بن صالح

الفقيه بن صالح: عبد الكبير الميناوي
شهدت بلدة الفقيه بن صالح المغربية (جنوب شرق الدار البيضاء)، أخيرا فعاليات ملتقى «ألف فرس وفرس» في دورته الخامسة تحت شعار «سيمفونية الخيول الأصيلة».
وإذا كان عدد الفرسان والخيول المشاركة في الدورة الرابعة أكبر من العدد الموضوع شعاراً وعنواناً للملتقى، بمشاركة أكثر من ألف وأربعمائة فارس وفرس، فإن إضراب أرباب وسائل النقل، الذي صادف الأيام الأولى للدورة الخامسة، جعل الملتقى يكتفي بالعدد المحدد شعاراً ورقماً، ورغم ذلك فقد استطاعت هذه الدورة أن تستقطب، حسب المنظمين، أكثر من 200 ألف زائر بمعدل خمسين ألف يومياً ينتمون لقبائل بني عْمير وبني شكَدال والمناطق المجاورة، فضلاً عن الزوار القادمين من مناطق وجهات أخرى من المغرب، ممن تستهويهم رائحة دخان وبارود «التبوريدة» أي الفروسية.
وتنافست خلال أيام الملتقى نحو 50 سربة (فرقة الخيل)، لإبراز مقدراتها في فنون الفروسية التقليدية مع عناية كبيرة بكل ما يحيط بـ«التبوريدة» من طقوس رائعة وتقنيات محكمة (الزي وحركات الفرس وقلب البنادق وانحناءة الرأس وانطلاق وانتظام الفرسان، والتخريجة والطلقة وإحكام رباط الفرس، كي لا يخرج من شريط السربة فرقة الخيل).
وقال محمد مبدع مدير المهرجان لـ«الشرق الأوسط»: «إن الغاية من الملتقى، الذي وصل هذه السنة دورته الخامسة، هي منح مدينة الفقيه بن صالح والمنطقة، مهرجاناً ثقافياً في ارتباط بجذور وخصوصيات المنطقة. وقد حاولنا أن نرتقي بالمهرجان دورة بعد أخرى، مع الانفتاح على مختلف جهات المملكة من أجل إغناء فقراته والتنويع في برنامجه، ونحن نفكر في أن نعطي للمهرجان نفساً جديداً وقيمة مضافة من خلال إعطائه طابعاً علمياً يتعدى الجانب الترفيهي، حتى نتمكن من جعل الملتقى مناسبة لاستحضار المقومات الخاصة بالخيول عبر برمجة محاضرات علمية وأكاديمية تتناول تربية الخيول وتحسين نسلها، مثلا. كما أننا نسعى لأن يكون المهرجان محطة للزيارة والاستمتاع، بما يوفره المخزون الثقافي المغربي من تنوع وغنى أمام سياح المملكة».
وأضاف عباس فوراق، المدير الفني للمهرجان، «إن شعار «سيمفونية الخيول الأصيلة»، يحيل على المنطقة المعروفة بتربية الخيول وعلى العلاقة التي تربط الرجل العربي بالخيول، وهي علاقة، للأسف، اضمحلت في بعض الأوقات، لكن الناس، اليوم، صاروا يسترجعون هذه العلاقة من جديد، عبر تربية الفرس والعناية به، في استحضار كامل لكل الطقوس التي تؤثث لهذه العلاقة. ولأن الفروسية التقليدية لها تاريخها الذي يربط ممارسها بثقافة تستحضر الملاحم والتغني بالفرس وبتاريخ المنطقة، فإننا في ملتقى «ألف فرس وفرس» عملنا على أن تكون فرق الفنون الشعبية المغربية حاضرة بكل تنوعها وغناها، حيث اجتمعت فرق قادمة من زاكورة ومن الصحراء ومن الشرق والشمال وسائر مناطق المغرب. فالملتقى، وإن كان يحيل على الخيول والفرسان، فهو في نفس الوقت ملتقى للفنون الشعبية بكل ما للكلمة من معنى. كما أن الملتقى، الذي نسعى لأن نجعله دولياً في مستقبل الدورات، كان فرصة للاستماع إلى محاضرات تتناول الفنون الشعبية وتعرف بها».
ولأن منطقة بني عمير معروفة بأبنائها المهاجرين إلى إيطاليا وإسبانيا، فقد شكلت التظاهرة وتوقيتها فرصة أمام العديد منهم لزيارة الأهل والبلدة والاستمتاع بما ميز التظاهرة من عروض الفروسية التقليدية والفنون الشعبية، خصوصاً وأن المدينة المعروفة بوجودها في منطقة لها طابعها الزراعي صارت تتحول مع دورات المهرجان إلى ساحة للاستمتاع بفنون الفروسية التقليدية والأهازيج الشعبية. والفروسية التقليدية المغربية أو «الفانتازيا» أو ما يعرف بين المغاربة، باسم «التبوريدة»، هي فن مغربي أصيل، يقوم على حب الخيل والفرجة والطبيعة والاحتفال، وارتبطت في الذاكرة الجماعية المغربية بمواسم احتفالية تؤثث لها الأغاني والمواويل الشعبية والزغاريد النسائية، كتعبير عن النصر ودعماً للأولاد والأزواج والفرسان، ليحفظهم الله من العين ومن كل سوء.
ومن المعروف أن المغاربة الذين يكسبون الخيول المدربة على «التبوريدة» يصنفون على أساس أنهم من خيرة وأغنياء رجال القبيلة، حيث يتميزون بالنخوة والرفعة والهيبة، تماماً كالخيول التي يركبونها.
وتتعدد احتفالات المغاربة والقبائل المغربية بفن «التبوريدة» في المناسبات الخاصة والعامة، وترتبط أساساً بالأعراس والأعياد والمناسبات الوطنية والدينية، وكثير من المواسم السنوية.